منذ أن عاد سامي الجميل الى كنف والده السياسي،  صار حزب "الكتائب" برأسين: الأب والابن. يقودان ما تبقى من "الحزب العتيق" بالتنسيق تارة، وبـ "المزاركة" طوراً، فيفرض كل منهما رأيه على ناسه وجماعته.. بانتظار أن ترسو موازين القوى على أحدهما، وتحديداً الابن..

 

في أكثر من محطة بدا الشيخان في حال اختلاف في الرأي، ولم يخجلا حتى من إخراجه إلى الضوء، تحت عنوان التعددية والديموقراطية في الحزب، لدرجة أنّ النائب المتني تقدم يوماً باستقالته من رئاسة اللجنة المركزية ربطاً باحتجاجه على قرار الاستمرار في حكومة تمام سلام حين كانت "ترقّع" بيانها الوزاري.

 

طبعاً، هو ليس توزيعاً للأدوار كما يعتقد البعض، فيتسلّح الابن بالتشدد و"النتعات" الكبيرة ورفع السقوف، فيما يطبخ الأب التفاهمات مع الآخرين. إنه تمايز داخل العائلة الواحدة يعكس حسابات مختلفة بينهما ومقاربات غير متجانسة.

 

ولذلك أسباب كثيرة بطبيعة الحال، اذ طالما أن أمين الجميل يلمح، ولو من بعيد، فرصة قد لا تكون مرئية لسواه، قد تسمح له بالعودة إلى القصر الجمهوري، فإن الرجل سيتصرف على هذا الاساس. بمعنى أنّه سيسمّك قماشة قفازيه كي لا يخرج عن طوره فيثير الاستفزاز أو النقمة عليه.

 

في هذ الظرف الدقيق، يُحسب ألف حساب لكل كلمة قد تخرج عن لسان الرئيس السابق، وهو الأدرى بالمنزلقات اللغوية، ويُقاس كل موقف بالطول والعرض ومدى تأثيره على الآخرين. ولهذا يحرص الرجل على لملمة كل مواقفه الاعتراضية وخفض منسوبها حتى حدودها الدنيا، معتمداً أقصى ما يمكنه من الدبلوماسية ومدّ الجسور حتى مع الخصوم.

 

في حين أن ما يدور في رأس الشيخ سامي مختلف كلياً. فالشاب الذي بلغ الرابعة والثلاثين من عمره يحلم بمستقبله السياسي البعيد المدى وليس القريب. فالأيام أمامه وليست وراءه، وهذا ما يدفع به الى التفكير بموقعه السياسي بمنظار مختلف عن والده.

 

يبحث الشاب عن زعامة يفترض أنّ جده بيار الجميل تركها من ضمن الميراث العائلي، وبالتالي لهذا الميراث شروطه وأدبياته السياسية الواجب اتباعها لإعادة نبشه من بين القبور. وهكذا يعتمد سامي على النمط التصادمي في أدائه، والتعنّت في مواقفه، لا بل رفض أي عروض مغرية قد توضع على طاولته..

 

هنا، يتردد بين الكتائبيين أنّ عرضاً دسماً رئاسياً أرسل إلى بكفيا للسير بأحد المرشحين البارزين، من شأنه أن يقيّد خطاب النائب المتني خلال العهد المقبل، لكنه رفضه. كما وضع حداً لصفقات مالية من شأنها أن تسهل طريق بعض الملفات المطروحة على طاولة مجلس الورزاء، لكنه أعادها مع الشكر..لأن الشاب الكتائبي، وفق ناسه يسعى الى رسم "بورتريه" نموذجي عن نفسه متحرر من أي قيد، علّه يتمكن من تعويض الشعبية التي فرّط بها والده.

 

ولهذا يبدو أن رئيس الجمهورية الأسبق ونجله في حال تمايز في كثير من الأحيان. وهذا ما اعتقده البعض خلال الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء حيث كان وزير الاقتصاد ألان حكيم يتابع معركة الملاحظات على دفتر العروض في ما يخصّ ملف النفايات، في حين بدا أنّ الوزيرين سجعان قزي ورمزي جريج أقرب الى موقف رئيس الحكومة بضرورة معالجة مسألة مطمر الناعمة، وكأن الكتائب انقسمت بين "صقر" و"حمامتين".

 

وفق المعلومات، فإنّ وزراء الكتائب لم يغرّدوا خارج  أكثر من سرب وإنما "كلمة السر" كانت في جيب وزير الاقتصاد وقد حصل عليها من سامي الجميل بالتنسيق مع والده، ولهذا رفض التساهل في مسألة اختيار موقع المطمر وفق تعليمات النائب الشاب.

 

وتزيد المعلومات بالتأكيد أن رئيس الجمهورية السابق لا يخشى التشدد في هذا الملف ولا سيما أنّ ما أتاه من كلام من وليد جنبلاط عبر بعض الأصدقاء، يؤشر إلى أن الزعيم الاشتراكي لا يعارض الملاحظات الكتائبية بالكامل لا بل هو منفتح على النقاش حولها.. ولذا لا مانع من تمسك الصيفي بمواقفها. وهذا ما يبقي على حال التناغم بين الأب والابن.

 

("لبنان 24")