الجلسة الأخيرة التي كانت مخصصة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية لم تكن أفضل من سابقاتها. فبعد مرور أكثر من عشرين شهرا على الشغور الرئاسي. فشل نواب الأمة في تأمين النصاب لانعقاد الجلسة. وذلك بسبب إصرار فريق لبناني على مقاطعة الجلسات.

بغية تعطيل انتخاب رئيس للبلاد مما يساهم بالاستمرار بتعطيل مؤسسة الرئاسة بعد تعطيل عمل الحكومة ومجلس النواب. بحيث أنه لم يعد خافيا على أحد ان حزب الله استطاع أن يحقق خطوات متقدمة في تعطيل مشروع الدولة لصالح مشروع الدويلة الخاص به المرتبط بالمشروع الإيراني التوسعي.

وما كان لحزب الله أن يحقق هذا النجاح الملحوظ في فرض مشروعه على البلد لولا مسألتين أساسيتين ومهمتين توفرتا له. الأولى هي المنظومة العسكرية التي يحتفظ بها تحت عنوان المقاومة. والتي أصبحت من الماضي بعد القرار الدولي 1701 الذي يحظر استخدام العمليات الحربية على طرفي الخط الأزرق الفاصل بين جبهتي الصراع في المنطقة الحدودية بين لبنان وإسرائيل.

بحيث تحول سلاح المقاومة للاستخدام الداخلي. واليوم المجيد في السابع من أيار عام 2008 هو الشاهد الأكبر على تحويل سلاح حزب الله من الجبهة مع العدو الإسرائيلي إلى الجبهة الداخلية. عدا عن الظهور المتكرر القمصان السود في غير مناسبة.

المسألة الثانية هي الكتلة النقدية من الأموال الحلال التي يمتلكها حزب الله ويستطيع من خلالها شراء نفوس فاعليات سياسية وحزبية بتخصيص ميزانيات تدفع بانتظام لهذه الفاعليات.

إضافة إلى بعض التقديمات الخدماتية لبعض الأفراد من المجتمع اللبناني والتي لا تسمن ولا تغني من جوع. فحزب ألله وبدعم إيراني بات يسيطر على كل مرافق الدولة ومؤسساتها.

وبالتالي فإنه يتحكم بمفاصل كافة السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية. فاصبح سهلا عليه تعطيل انتخابات رئيس للبلاد لمصلحة اختياره رئيسا للجمهورية وفرضه على اللبنانيين متجاوزا أبسط القواعد الدستورية التي من المفترض احترامها والالتزام بالعمل تحت سقفها.

وفي المقابل فإن المشروع الوطني الذي كان يحمله الرئيس الشهيد رفيق الحريري والمناهض تماما لمشروع دويلة حزب الله المرتبطة باطماع إيران التوسعية في منطقة الشرق الأوسط بدأ يتراجع مع اغتيال الرئيس الحريري خصوصا في ظل غياب زعامات مسيحية قادرة على امتلاك رؤية واضحة لمستقبل البلد بعيدا عن الحسابات الخاصة والانفعالات والانغلاق والاعتكاف. واليوم وبعد الانهيار الكبير الذي يضرب فريق الرابع عشر من آذار والتشرذم الواضح بين أركان هذا الفريق بسبب النظرة الضيقة للقضايا المصيرية.

وغياب المشروع الجامع لهذه القوى يتضح أكثر فاكثر أن الشهيد رفيق الحريري كان آخر منقذ للجمهورية. ومع غيابه تلاشى مشروع الصمود في وجه المشروع الإيراني.

وكذلك يمكن فهم الأسباب الحقيقية التي كانت تقف وراء عملية اغتياله...