لم تكن ايران بحاجة إلى هذا الكم من التعبئة ضد المملكة العربية السعودية لا قبل إقدام سلطات السعودية على إعدام رجل الدين السعودي الشيعي الشيخ نمر النمر ولا بعده.

فإن إيران الخارجة للتو من حصار اقتصادي دولي خانق لم ينته إلا بتفاهم لم تخرج ايران فيه منتصرة بالضربة القاضية، وإنما بالنقاط وهذه النقاط بحاجة إليها الجمهورية الإسلامية الإيرانية لتبني عليها مرحلة جديدة عنوانها الأساس رفع منسوب دور العقل والبناء على حساب خفض منسوب الأيديولوجيا، في ظل تنامي دينامية إيرانية خلاقة في المجتمع الإيراني تتطلع إلى تحديث النظام وتأقلمه مع الحداثة وتتطلعات الشعب الإيراني إلى المدنية والتقدم والإزدهار الذي لا يمكن أن يتأتى إلا من خلال استقرار مستدام والتزام بالمواثيق والأعراف الدولية الملزمة لكل دولة وقعت عليها.
وإيران ليست استثناء من الدول حتى تستطيع أن تخرج على هذه الأعراف والمواثيق والمعاهدات، لكن الصراع القائم والمستمر الظاهر أحيانا والمستتر كثيرا تعود إليه في كثير من الأحيان أسباب تأرجح القرار الإيراني بين المضي قدما في إصلاحات بالشكل والمضمون لكل الخطاب الإيراني الداخلي والخارجي.
 فمع اقتناع كل الأطراف في إيران محافظين وإصلاحيين على ضرورة تنقية كل الشوائب التي أعاقت وتعيق علاقة إيران مع الغرب والعالم على مدى عقود، تأتي المزايدات الشيعية الرخيصة التي تجعل عربة القيادة تقف في وسط الطريق كل طرف يريد أن يسحبها إلى الجهة التي يتمترس فيها لينعم بمغانم السلطة
.

و هذه الصورة ليست استثناء في دول العالم الثالث حيث التخبط يكون دائرا بين مجموعات الضغط وأطراف النفوذ وهذا ما لا نجده ماثلا في دول العالم الأول، حيث أن تجديد وإنتاج السلطة في الدول الديمقراطية خاضع لصندوق الإقتراع، والوقت الذي يعطيه الناخب هناك للمسؤول في إثبات برامجه التي وعد بها، فلا معارضة تقيد برامج السيلسة ولا خصومة تضع العصي في دواليب اللعبة السياسية.

إن إيران كما كل دولنا في عالمنا العربي وشرقنا الإسلامي بحاجة إلى أن تخضع اللعبة السياسية إلى ما تقتضيه مصلحة الدولة لا مصلحة صاحب الدولة.

و بذلك تخرج من لعبة المزايدة التي تؤجج المشاعر وتستفز العواطف ثم لا تجد لها طريقا لإعمال العقل والبناء بل تسير نحو العزلة والإنكفاء.

 إن حادثة إحراق السفارة السعودية والقنصلية في طهران ومشهد هي صورة تمثل هذا النوع من المزايدات خصوصا أنها على أعتاب إنتخابات مجلس الخبراء الذي يضغط فيه الإصلاحيون للوصول إلى الفوز للعبور إلى القدرة على التغيير