مقاصد الشريعة هي عنوان أساسي من عناوين الفقه الإسلامي ولكنه لم يجر الاهتمام بها كما ينبغي بالمقارنة مع أبواب الفقه الأخرى ونحن نعلم أن الشريعة الإسلامية تتضمن دائرة من الأحكام الواضحة والثابتة، ولكن في الوقت نفسه، هناك مناطق فراغ في مجال التشريع والهدف من مناطق الفراغ هذه هو إتاحة المجال لدور البشر في التشريع خلافاً لم يظنّ البعض من أن الشريعة كاملة بالمعنى التماهي للكلمة.

ويشرح العلامة المفكّر السيد محمد حسن الأمين الحيّز الفكري الـ”مقاصد الشريعة” بقوله: “في التشريع الاسلامي هناك منطقة واسعة من الفراغ نسميها منطقة المباح في مقابل الواجب والمحرَّم، وبطبيعة الحال فإن كل مجتمع يريد أن يقيم نظاما كاملاً يشرّع لجميع الأفعال والأعمال، ويصبح هذا المجتمع مسؤولاً عن إنتاج قوانين تتناول هذه المباحات، فهو أحياناً يحرّم المباح لمصلحة المجتمع ويوجب المباح أحياناً لنفس الغرض والغاية”.

ويتابع السيّد الأمين مفصلاً: “ومن هنا فإن بعض الفقهاء يرون أن التشريع البشري بتحليل اوتحريم المباح يجب أن يستند إلى ما أطلقوا عليه مصطلح “مقاصد الشريعة”، فنحن حين نريد أن نقيم نظاماً كاملاً وفق عقيدة الإسلام، لا بد لنا أن نملأ هذا الفراغ بتشريعات كثيرة وينبغي الأخذ بنظر الاعتبار عند ملء هذه الفراغات أن تكون مستندة إلى المقاصد، ومقاصد الشريعة حصرها الفقهاء بخمسة، كما قال الفقيه الماوردي وهي: حفظ النفس، والدين، والعرض، والعقل، والنسل، ويمكن التوسع كثيراً في هذه المقاصد بما يتناسب مع قواعد الإسلام وأخلاقياته ورؤيته التربوية للفرد والمجتمع.

هذا ما نسميه بمقاصد الشريعة، وهذا هو الهدف والحكمة من وجود هذا المصطلح والعمل بموجبه.”

وبرأي العلامة السيد الأمين ان “هذا ما يمكن تسميته بمشروع الحداثة وفق الرؤية الإسلامية، حيث يمكن تغيير الكثير من القواعد والمفاهيم وإبداع عدد كبير من المناهج وأنماط السلوك التي تؤدي بالمجتمع الإسلامي إلى الارتقاء وإلى محاكاة الحضارة المعاصرة، حيث لا يوجد في أحكام الإسلام التثابتة أي المحكمة ما يتناقض مع السعي إلى تجديد بنيته النظام الفكري والعلمي والاجتماعي بما يؤدي إلى التقدم دون التخلي عن أصول الإيمان والعقيدة والأحكام الثابتة فيها، فالشريعة فيها خمسة أحكام : المباح والمستحب والمكروه والواجب والمحرّم. ونحن في الإسلام غير مقيّدين إلاّ في حدود الواجب والمحرّم، وعدا ذلك فإنه من المباح للمجتمع وفق المقاصد المعروفة للشريعة الإسلامية أن يسن القوانين التي يراها مقيّدة ومناسبة، وأعطي مثالاً بسيطاً وبديهياً يتناول قانون السير مثالاً، فإن قوانين تنظم السير ليست موجودة في الشريعة، ولكن يوجد في الشريعة ما ينهي عن أي عمل يؤدي إلى الضرر بالمجتمع والأفراد، فلو نظمت السلطة قانون السّير لأصبح واجباً اتباعه مع العلم أن الشريعة المستمرة من القرآن والسنّة ليست فيها مايتعلق بهذه المسألة”.

وبالنسبة لاستغلال مقاصد الشريعة لغايات خاصّة والتشدد بها واستغلال مساحة الحرية في مجال التشريعات الوضعية يقول السيّد الأمين: “اني أفترض أن السلطة التي تتولّى هذا الأمر سوف تكون سلطة شرعية، وهنا أميّز بين إسلامية السلطة وشرعيتها، فقد تسمّى السلطة غير الشرعيّة والتي تقوم على القهر والغلبة وتوصف بأنها سلطة إسلاميّة، وهذا نحن نرفضه، فلا يمكن استغلال حرية التشريع بدون مسؤولية أمام الهيئة الشعبية التي تدعي هذه السلطة فيها، فالسلطة شرعية يجب ان تكون منتخبة ويتوفر فيها عنصر الرقابة والمحاسبة، فلا يعود بإمكانها أن تتفرّد في إنتاج تلك الأحكام الجائرة “.