كان كلّ شيء على ما يرام قبل حلول السادس من كانون الثاني 2014. يومها، اختارت نادين التي تبلغ من العمر 32 سنة، أن تنام بالقرب من طفلها (سبعة أشهر)، حين تحسّست وجود كتلة ما بالقرب من ثديها. في تلك اللحظة، على السرير، وبالقرب من ملاكها الحارس الصغير، بدأ صراع نادين مع المرض. كان ذلك يوم خميس، وكانت متوجهة إلى نيويورك يوم الثلثاء لعمل عائلي: تروي نادين لـ "النهار" أنّها لم تنتظر كثيراً، لا بل توجهت مباشرة إلى طبيبها الذي طلب منها الخضوع لصورة شعاعية ثم لتصوير شعاعي للثدي وغير ذلك من فحوص للتأكّد من النتائج. "فهمت حينها الوضع"، تقول نادين. وتضيف :" لم أرد تلقي النتائج وحدي، فطلبت من زوجي مرافقتي إلى العيادة حيث طلب الطبيب زرع العيّنة معلناً بالتالي بداية رحلتي مع المرض". ولأنّ نادين لم تكتف بهذه النتائج، ولأنّ والديها وزوجها أرادا الاطمئنان عإلى صحتها أكثر، توجهت إلى مستشفى "مايو كلينيك" أثناء وجودها في الولايات المتحدة الأميركية حيث خضعت لمجموعة من الفحوص، قبل البدء بالعلاج الكيميائي في لبنان واستكماله بالعلاج الإشعاعي، لتتغلّب أخيراً على المرض في الولايات المتحدة ، مع الخضوع لعملية تنظيف الثدي وإزالة الورم.

"ولداي مصدر قوّتي"
لم تخف نادين على نفسها عند إصابتها بالمرض مقدار خوفها على ولديها، وخصوصاً البكر الذي كان يبلغ حينها أربع سنوات. "كنت أخشى ردّ فعله عند إخباره عن المرض، كنت قلقة وخائفة عليه، ولكنني أخيراً تحليت بالشجاعة وقلت له أنّني مريضة. شرحت له أنّ الدواء الذي سأتلقاه قوي لدرجة أنه سيتلف شعري، وسيكون عليّ قصه، هوذا أمر موقت وعلينا التأقلم مع الوضع. كما أكّدت له أن هذا المرض لا يصيب سوى النساء وليس الرجال، كي لا يخاف لاحقاً على نفسه من الأدوية".

 

تشير نادين أنهاّ يوم توجهها إلى الولايات المتحدة، كانت المدرسة تقيم احتفالا لقاء للأولاد والأهل، إلاّ أنّها هي من اعتادت ألا تفارق ابنها أبداً، اضطرت إلى التغيّب عن هذه المناسبة مع زوجها الذي ساندها طوال مرحلة مرضها، فحلّ "جدو" مكانهما، لوجودهما مع والدة نادين في "مايو كلينيك". أرادت ألا تقصّر تالياً بواجباتها تجاه ابنها، فحرصت على ألا يتغيّر شيئ بعد خضوعها للعلاج كي لا يؤثر ذلك فيه: "كنت أبذل جهدي لأستمرّ في إتمام واجباتي معه، فأحرص على أن أحضر معه أعياد الميلاد، أنقله إلى المدرسة، أحضر ماتش الفوتبول معه وأنتظر إلى حين انتهائه... كنت أفعل ما في وسعي لأبقى بجانبه، إلاّ أنني عندما كنت أشعر بالتعب، أتغيّب عن بعض المناسبات، وزوجي كان دائماً هنا ليحلّ مكاني، ويرافق ابننا في نشاطاته فلم يشعر يوماً بالوحدة أو الحزن."
لم تتغيّر نوعية العلاقة التي كانت تربط نادين بابنها بعد المرض، لأنها "كانت قوية ووطيدة، هو كثير التعلّق بي وأنا كنت أحبه بجنون. بعد إصابتي بالمرض، توطدت علاقتنا أكثر. كنت أحرص على حمايته أكثر من قبل، فيما كان هو يوجه أسئلة لطيفة إلي مثل "متى ستتحسنين؟ متى سيعود شعرك طويلاً كشعر الفتيات؟".
اهتمامها بابنها البكر لم يشغل نادين عن ابنها الأصغر. كيف وهو ملاكها الحارس الذي أنقذ حياتها، وكانت في المرحلة الثانية من المرض؟ "كان اهتمامي به يشغلني وينسيني المرض. حتى أنني لم أسمح لحالتي بأن تمنعني من الاهتمام به، ونظمنا احتفال تعميده مثلاً."
ولداها مصدر قوّتها: "كنت صغيرة في السنّ حين اكتشفت أنني مريضة، وكان لدي رضيع في المنزل... لم أختر القوّة للبقاء لأنّ ذلك كان بديهياً لي، لم يكن لدي الخيار. كانت القوة سلاحي الوحيد للبقاء على قيد الحياة وقد مدّني بها ولداي وزوجي وأهلي."


جرح الماضي إلى الأبد
"أنسى أحياناً أنني كنت ضحية مرض خبيث يوماً، إلاّ أنّ ثمّة ما يذكّرني أنني كنت مصابة به، ندبة أبدية تظهر أمامي كلّما كنت أبدّل ثيابي، تجعلني أعود وأتذكّر رحلتي مع المرض، فاستيقظ من ثباتي لأتساءل، أفعلاً خضت كلّ ذلك خلال عام واحد؟" على وجه نادين من القوّة والشجاعة ما يجعلك تنحني إجلالاً أمام امرأة التشبّثت بالحياة على الرغم من الصعوبات التي واجهتها. تبتسم بينما تروي محقائق مؤلمة، حوّلتها هي لحظات جميلة وإنسانية: "كان العلاج الكيميائي أسهل مما أتوقع، أخضع لجلسة واحدة في اليوم ومرّة كلّ أسبوعين مما جعلني أحافظ على شعري الذي تساقط على مراحل مدى شهرين أو ثلاثة. . ولكن، كان يزعجني التردد على المستشفى لتلقي العلاج والبقاء فيه ثلاث أو أربع ساعات محوطة بمرضى آخرين. إلاّ أنني كنت محظوظة لأن عائلتي كانت تساندني دوماَ، فتحوّلت بالتالي ساعات علاجي في المستشفى حفلاً مليئاً بالسعادة لتلطيف الأجواء. بعد انتهاء جلسة العلاج، كنت أشعر بالتعب كما لو كنت مصابة برشح أو حرارة وألم في العظام والجسم ككل. إلاّ أنّ الخضوع للعلاج مرّة كلّ أسبوعين كان أصعب من العادة، مما يجعل الأطباء يؤخرون هذا النوع من الجلسات. فكنت أخضع لها كلّ ثلثاء، حيث يبدأ شعور الانزعاج ويستمرّ حتى الأحد. كانت حالتي مقبولة، وأتنزه تحت المنزل، وأبقى برفقة العائلة والأصدقاء الذين يتناولون العشاء لدينا ، ولكن لا أوسّع نشاطاتي خارج هذا النطاق. كان هناك أيضاً أمامي أسبوع أشعر فيه بالراحة حتى حلول الثلثاء التالي. ولا أتقيأ أو أشعر بالغثيان، إنّما بتعب غالب الأحيان كما لو كانت تصل حرارتي للأربعين درجة، وأشعر بالرغبة في النوم والراحة، وفي الآن نفسه أشعر بأنّ كلّ شيء سيمضي، كنت مطمئنة وأهتمّ بولديّ. وأنا اليوم لا أعرف كيف فعلت ذلك."


استمرّت مرحلة علاج نادين سنة واحدة فقط، وهي اليوم ناجية " survivor" منذ تشرين الثاني 2014، تراها جميلة وأنيقة، راضية بما حصل وإن كانت تتمنى لو أنها لم تقع يوماً ضحية هذا المرض. هي مثل يحتذى به للتغلّب على صعاب الحياة وأقصى الشدائد. وسرطان الثدي ورم خبيث، يفقد المرأة أبرز معالم أنوثتها، فيحرمها شعرها الطويل ويجرّدها في حالات خاصة من ثدييها. قوية من تتمكن من البقاءمتشبّثة بجذور أنوثتها ولا تسمح للورم بأن يأكلها!