إنّ أحدا لا يستطيع أن يتكهن بما قد ستؤول إليه الأمور في سوريا بعد التدخل العسكري الروسي على خط الأزمة السورية ، فالروس أنفسهم ورغم كل حساباتهم الدقيقة فإنهم لا يعرفون على وجه الدقة ماذا ينتظرهم من مفاجآت .

وبعكس الولايات المتحدة الأميركية فإنّ روسيا موجودة في سوريا منذ بداية الحروب فيها وإنطلاق الشرارة الأولى للثورة السورية ، وقد أثبتت أنّها حليف قوي لرئيس محاصر فزوّدت نظامه بالأسلحة والمستشارين ، ولما لم يعد بإمكان قواته المسلحة الدفاع عن مواقعها العسكرية أمام هجمات التنظيمات المعارضة والتي اجتاحت ما يقرب من ثلثي الأراضي السورية وسيطرت عليها ، وعندما بدأ الجيش السوري بالتقهقر ولم يعد سلاحه الجوي قادر على ملء الأجواء في السابق ، تدخلت بمنظومة جوية متطورة وبأنواع من الصواريخ ذات المستوى العالي من الدقة والفعالية .

والهدف المعلن لهذا التدخل هو ضرب الإرهاب ، وحسب الطرح الروسي فإنّ الأسد قوة يعتمد عليها لمواجهة الجماعات الإرهابية والتكفيرية ، وبنظر الأسد فإنّ كل من هو ضد نظامه يعتبر إرهابياً ، لذا فإنّ المقاتلات الروسية استهدفت مواقع عسكرية لمعظم التنظيمات السورية المعارضة للنظام .

لا شكّ أنّه لولا دعم إيران وروسيا لكان نظام الأسد انهار ، ودوافع إيران الإستراتيجية في سوريا تتخلص في استخدامها كجسر بري يربطها بحزب الله في لبنان ، وإذا عجزت عن الاحتفاظ بسوريا كاملة فليس ما يمنع من أن تحتفظ بالمنطقة الساحلية ذات الأغلبية العلوية الأقرب مذهبياً للنظام الإيراني وتمتد لتصل إلى منطقة القلمون وصولاً إلى العاصمة دمشق وتكون خاضعة لنظام الأسد المتعاطف معها ، والمساحات الباقية فليتفق عليها الآخرون .

 

أما بالنسبة لروسيا فالأمر مختلف تماماً إذ أنّه ليس ما يمنع موسكو من التقارب والتحالف مع أعداء إيران في المنطقة إذا كان هذا سيزيد نفوذها على المسرح الدولي ، ثم أنّها لا تهتم كثيراً بالمحافظة أو الحماية لإمدادات حزب الله عبر سوريا إلى لبنان .

وطموح إيران أن تصل إلى الجنوب السوري أيضاً لكن موسكو تعهدت لإسرائيل بأن هذا لن يحصل ، سيما وأنّ الإتصالات فضلاً عن التنسيق قائمة بين موسكو وتل أبيب .

 

إلا أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الراغب في استعادة موطىء قدم في المنطقة وتحصين نظام الأسد لفترة محددة /حتى تاريخ انتهاء مدة صلاحيته / يراوده قلق وهو وقف انتشار المتطرفين الإسلاميين كي لا يعودوا إلى شن عمليات إرهابية داخل روسيا أو ضد مصالحها في آسيا الوسطى وشمال القوقاز.

وبالنسبة للنظام السوري ومؤيديه في المنطقة العلوية فإنّ إبعاد مسلحي المعارضة عن الساحل السوري يشكل أولوية عن القضاء على وجود داعش في مناطق بعيدة مثل دير الزور ، والدعم الإيراني لم يمنع هزيمة النظام في إدلب القريبة من القرداحة المعقل الإستراتيجي للأسد ومسقط رأسه ، فسقوط إدلب أثار الذعر في قلب اللاذقية والمدن القريبة.

والواضح من مجريات الأحداث في سوريا أن قتال داعش ليس أولوية في الحسابات الروسية وعليه فإن الوقت يعمل لصالح تنظيم الدولة الإسلامية داعش .

 

ويقول أحد الدبلوماسيين الغربيين / إنّ التردد في ضرب تنظيم  داعش والعمليات غير الفعالة التي تستهدفه يسمحان له بالانتشار والتقدم لإقامة دولة الخلافة ، وإذا تركت مواجهته لوقت لاحق فإنّها ستزداد صعوبة والقضاء عليه لن يكون مؤكداً ، ويضيف على روسيا أن تدرك أنّ الدولة التي ستنشئها للأسد لن تسلم من خطر هذا التنظيم.

لا شك ان محاربة داعش والقضاء عليه يتطلبان تحالف دولي واسع يشارك فيه دول المنطقة والدول العربية وروسيا. إلا أن هذا التحالف تحول دون إنشائه الأهداف الدولية المتناقضة في سوريا...