على طريقة "البورصة" تترنّح التسوية المتعلّقة بإبقاء العميد شامل روكز، صهر زعيم "التيار الوطني الحر" العماد ميشال عون في الجيش بعد 15 الجاري (موعد إحالته على التقاعد)، صعوداً وهبوطاً، فيما الوقت الفاصل عن "ساعة الصفر" بات داهماً وأقصر مما يعتقده البعض في ظل التوقعات بأن قيادة الجيش قد تعمد، وفق العرف العسكري، الى تعيين بديل من روكز على رأس فوج المغاوير خلال 72 ساعة كي يتسنى للخلَف التهيؤ لإستلام مهماته بعد الاطلاع على أوضاع الفوج على مختلف الصعد التنظيمية واللوجستية والميدانية.

ورغم حرص بعض الدوائر السياسية على تفادي نعي "تسوية روكز" التي يجري العمل عليها وترقيته وضابطيْن آخرين الى رتبة لواء بما يؤجّل تسريحه لمدة سنة ويبقي على حظوظه بتولي قيادة الجيش، فإن أوساطاً مطلعة باتت على إقتناع بأن هذا الملف أفقه مسدود وأن الساعات المقبلة ستشهد محاولات لتبادُل رمي كرة إفشال الوصول الى مخرج بين أكثر من طرف، ولا سيما ان سقوط التسوية سيرتّب نقل الواقع اللبناني الى مرحلة أشدّ قسوة في لعبة السير على "حبل مشدود"، بما يزيد من الشلل الحكومي وتعطيل التشريع في البرلمان وربما يطيح بالحوار دعا اليه رئيس البرلمان نبيه بري.

وفيما كان الحوار ينعقد أمس الأربعاء في يومه الثاني لإستكمال البحث في بند رئاسة الجمهورية وسط إعتكاف العماد عون عن الحضور وتمثيله من النائب إبرهيم كنعان، بدأت الدوائر السياسية تتحرّى عن الوقائع الجديدة التي سيُفرِزها سقوط التسوية في قضية روكز ، من زاوية إدخال البلاد في دوّامة مقفلة يصعب الخروج منها إلا بواحد من احتماليْن يفضيان الى إنجاز الملف الرئاسي، بما يؤدي تلقائياً الى معاودة انتظام عمل المؤسسات الدستورية، ويرتبط كلاهما بمسار التطورات في المنطقة: الاول حدَث أمني كبير بدأت بعض الأوساط تخشى إمكان ان يكون "القوة القاهِرة" لوضع الجميع على طاولة الحلّ والقفز فوق المعاندة تحت شعار "الرئيس القوي" او"انا او لا أحد"، والثاني مخرج "على البارد" تمليه تفاهمات إقليمية بناء على الموازين التي سترتسم من خلف خطوط النار ولا سيما في سوريا واليمن.

ورصدت الأوساط السياسية مناقشات طاولة بري امس التي واصلت "حوار الطرشان" حول مواصفات رئيس الجمهورية من ثلاث زوايا: الاولى، انه بدأ يكرّس عون رئيساً بلا حظوظ نتيجة تزايُد الاستقطابات حول اسمه غير التوافقي ومواصفاته، في حين كان بارزاً على هذا الصعيد دخول وضعه الصحي على خط هذا الملف، وذلك في ضوء إعلان انه غادر الحوار اول من امس لأسباب صحية، وهو ما دفع بري الى سؤاله عما اذا كان يريد طبيباً، قبل ان يطلق نائب رئيس البرلمان فريد مكاري (من 14 آذار ومشارك في الحوار) الإشارة الأكثر تعبيراً من خلال اعلانه ان الكلام عن انسحاب عون لداوعٍ صحية يعني انه "غير صالح للرئاسة".

والزاوية الثانية، تتمثل في ما نُقل عن ممثل "حزب الله" في الحوار رئيس كتلة نوابه محمد رعد في معرض تحديده مواصفات الرئيس انه "يجب أن نتّفق معه مسبقاً على الخط الاستراتيجي كي نوافق على انتخابه إذا اتفقنا على النظرة الاستراتيجية للأمور تصبح عندها الرئاسة ومواصفات الرئيس تفصيلاً سهلاً".

اما الثالثة فتكمن في اشتمام قوى "14 آذار" محاولة من "8 آذار" لإعتبار "مناقشة المواصفات" والتفاهم على خطوطها العريضة مدخلاً للقفز الى بحث مشروع قانون الانتخابات النيابية وإجراء هذه الانتخابات وباقي بنود الحوار، مقابل اعتبار "14 آذار" أن اي تفاهم على مواصفات الرئيس يعني الذهاب الى انتخاب مَن تنطبق عليه والذي يحلّ حكماً سائر الأزمات.

وفي موازاة جلستيْ الحوار اللتين عُقدتا امس نهاراً وعصراً، اتجهت الأنظار الى ما اذا كان رئيس الحكومة تمام سلام، الذي نُقل عنه "ان لا أحد يهمّه لبنان، لقد ذهبتُ إلى الخارج وأنا مستح من حالي، ما حدا عطانا أهمّية"، سيدعو الى جلسة استثنائية لمجلس الوزراء اليوم او غداً لبحث ملف النفايات في ضوء التعديلات التي أُدخلت على خطة وزير الزراعة أكرم شهيب والتي اقتربت من بلوغ مرحلة التنفيذ، علماً ان اي دعوة في هذا الإطار رُبطت بمآل الاتصالات التي كانت مستمرة في ملف روكز ، والتي واكبها عون بـ"صف مقاطعة" للحوار في إطار رفع الضغط لإنجاز التسوية وبرفْع الصوت التجييشي لمناصريه للمشاركة في تظاهرة الأحد امام القصر الجمهوري، والتي ستكتسب طابعاً مهماً يعيد عبره لملمة خسائره في قضية روكز للاندفاع نحو تثبيت أولوية معركته الرئاسية على قاعدة "لم يعد لديّ ما أخسره".

المصدر :الراي الكويتية