لعلّه من المبكر إطلاق أحكام نهائيّة على حملة "طلعت ريحتكم" والحراك الشعبي الذي نتج عنها. إلا أنّه لا يمكن إلا أن يُسجَّل لهذه الحملة أنّها أتاحت اكتشاف مواهب تمثيليّة لدى بعض... المراسلات.

 

تتطلّب المهنيّة في العمل الإعلامي، خصوصاً في الشقّ الميداني منه، أن يتحلّى المراسل بكمٍّ كبير من الجرأة تتيح له أن "يقتحم" مواقع الأحداث، ولو اتّسمت أحياناً ببعض الخطورة، ولكن من دون تهوّر. وتتطلّب، أيضاً، أن يتحلّى بالقدر الأكبر من الموضوعيّة فينقل الصورة كما هي، ولا يدفعه التعاطف مع الحدث أو القضيّة التي يتولّى تغطيتها الى "رشّ" كميّة من "البهار والملح" على خبره، فيشوّه الحقيقة ويضخّم الأحداث ويضع من الـ "أنا" حيث يفترض أن يتحدّث في صيغة الـ "هم".

 

ما تابعناه على بعض الشاشات في الأسابيع الأخيرة - ولا نجد حرجاً في التوصيف ولو أنّنا ننتمي أيضاً الى "شاشة" - يتخطّى الحدّ الأدنى من شروط المهنيّة الإعلاميّة. فقد تحوّل بعض المراسلين، وخصوصاً المراسلات، الى متظاهرين بدل تغطية المظاهرات، والى شتّامين لقوى الأمن بدل إيصال صوت من يشتمها، والى عدّادات لأحجام التظاهرات بدل نقل الأرقام الرسميّة وتلك التي يقدّرها المتظاهرون.

 

لقد ذهب البعض بعيداً في تغطية هذا الحراك الشعبي، بغضّ النظر عن أحقيّة الحراك ومطالبه، والأسوأ أنّهم افتعلوا، وإن شئنا لغةً سليمة ووصفاً دقيقاً لقلنا "افتعلن"، أحداثاً لا تمتّ الى الحقيقة بصلة، وفي طليعتها التحامل على القوى الأمنيّة والادّعاء بأنّها تعتدي على الإعلاميّين والصراخ غير المبرّر وإطلاق أوصاف غير لائقة على العناصر الأمنيّة التي تنفّذ مهاما مطلوبة منها...

 

إنّ المراسلين، مثل سائر المواطنين، يعانون من رائحة النفايات المتراكمة في الشوارع، ومن الانقطاع المستمرّ للكهرباء، ومن انقطاع المياه وتلوّثها إن توفّرت، وهم يعانون، في ذهابهم وإيابهم لتغطية الأخبار، من زحمة سير ومن واقع الطرقات السيء، وهم يدركون، أكثر من غيرهم، حجم الفساد المستشري لدى غالبيّة الطبقة السياسيّة.

لذا، فإنّ من واجبهم أن ينقلوا لنا ذلك كلّه، كما هو، من دون تجميل ولا مواربة. ولكن، لا ضير إن فعلوا ذلك كلّه، من دون صراخ ومن دون مبالغات ومن دون كذب، و، خصوصاً، من دون تمثيل. وإلا فإنّ الدراما اللبنانيّة هي أكثر من يحتاج الى وجوهٍ جديدة، مع خشيتنا بأنّ "بعضهنّ" قد لا ينفع لا هنا، أي في الأخبار، ولا هناك...


(داني حداد)