"شبعا" قرية لبنانية فاق اسمها مساحتها ، إنّها عاصمة العرقوب الحرّة ، وجزء من الجنوب الذي احتله الكيان الصهيوني  لحقبة من الزمن .

اسم "شبعا" أكبر من الجو السياسي اللبناني الذي استعادها مساحةً ليهملها إنسانياً وإنمائياً وصحياً ، هذه القرية التي لم تتسلل إليها سياسة التفرقة ، فإختلطت بها الأديان والطوائف بتمازج فني ، والتي إمتلكت من المؤهلات السياحية الفطرية ومن التنوع الفاكهي ما يجعلها في مقدمة قرى لبنان طبيعةً وجمالاً ...

إلا أنّ شبعا لم تجد من يرعاها ؟!

فما إن إستيقظت شبعا الواقعة في مثلث لبناني اسرائيلي سوري ، من سطوة الإحتلال ، وما إن عاد أبناؤها الذين هجّروا قسراً عام 1982 ، حتى بدأت تعاود استنهاض نفسها ، وتشهد سنوات من التنمية والعمران والإنماء ، لا بإلتفاتة مؤسسات الدولة إليها ولا ببذخ الثنائية الشيعية الحاضرة جنوباً ولكن بهمّة أهاليها ...

فشبعا لم تنعم كسائر أراضي الجنوب برضا زعيمي الثنائية ، كون مناخها المتنوع  بحيث لا صبغة دينية معممة بمزراعها الـ 13 ، ولا تبعية كاملة بالـ 200 كلم مربع وهي مساحتها ، حوّلها لأرض جنوبية مهمشّة من سطوة سياسة وحزبية تضيّق عليها كل بوابات الإنفراج ...

مرحلة الإزدهار لم تخيّم على شبعا طويلاً ، فموقعها الـ بيو-استراتيجي ، يجعلها المتسهدفة الدائمة من العدو الإسرائيلي والمعرضة الأولى لضرر الحروب وللإنتكاسات ، وهذا ما حصل في حرب تموز 2006 ، حيث بعد انتهاء العدوان وجه المختار عبدو حسن هاشم نقداً إلى الدولة ومجلس الجنوب والهيئة العليا للإغاثة ، حيث تم التعويض لكل القرى إلا شبعا ، والتي في حينها لم تكن قد نالت بعد حتى التعويضات المستحقة عن الأضرار التي سببتها الإعتداءات الإسرائيلية قبل تموز ...

كما أنّه تساءل وساءَل : هل نحن درجة ثانية ؟!

 

تساؤل المختار ، يكشف الهيمنة المزدوجة على الجنوب ، وعلى التمييز بين شهيد وشهيد ، وبين مقاوم حزبي ومقاوم وطني ، فشبعا هي الأولى في محاربة الإحتلال لأّنها تريد لبنانيتها ، وشبابها يحاربون لأجل أرضهم وسيادتهم لا لأجل أحزاب وتيارات ، ليتبين لنا أنّ دور حزب الله في إعادة الحياة لكل شبر من الجنوبي وفي الإعمار ، توقفّ عند حدود شبعا .

 

 

بعد إنتهاء حرب تموز ، لم تستسلم هذه القرية ، فقسوة المناخ الحدودي علّم ساكنيها الصبر والقوة وعدم الإستسلام ، غير أنّ ما لم تتوقعه شبعا أنّ تتعرض لما هو أقسى من الحرب ولما هو فوق قدراتها الاستيعابية .

فالحرب السورية انعكست سلباً عليها لتشهد حركة نزوح كثيفة ، وشبعا "بابها مفتوح" ويعرف عنها حسن الجيرة ، فإستقبلت الهاربين من الحرب وفتحت لهم البيوت والمحلات والملاجىء وحتى الكاراجات ...

وحسب آخر إحصاءات العام 2014 فإن عدد اللاجئين في شبعا أصبح يقارب السبعة آلاف لاجىء سوري، أي ما يفوق عدد الساكنين بها من اللبنانيين والذين يقاربون ال 5000 .

إنّ هذا النزوح المكثف على شبعا انعكس عليها سلباً ، لا من جهة الإنفجار السكاني فقط ، إنّما أيضاً من جهة فرص العمل والتنافس المعيشي والحياة الصعبة التي خيمت عليها والظروف الإجتماعية القاسية التي أصبحت ترزح تحت رحمتها ، إضافة إلى تأثر مستوى التعليم وعدم قدرة المدارس على استيعاب المزيد من الطلاب السوريين ..

 

وهذا ما دفع كل من رئيس بلدية شبعا محمد صعب و نائب رئيس بلدية شبعا صافي نصيف إلى مطالبة الدولة اللبنانية وكافة الجهات المحلية والدولية المعنية بوضع خطة سريعة لمعالجة مشكلة تفاقم أزمة النازحين و التي لم يعد بإمكان شبعا تحمل تداعيتها ..

هذا وشدد رئيس البلدية في حديث صحفي سابق له ، أنّ : "الوضع على كل الصعد لم يعد يحتمل على الاطلاق، ولم يبق مكان واحد في شبعا لاستيعاب اي لاجىء، ومع ذلك يأتينا كل يوم او اكثر لاجئين جدد والمشكلات المادية والصحية والاجتماعية تتفاقم، والدولة بكل اجهزتها ومؤسساتها غائبة عنا باستثناء الجيش وقوى الامن الداخلي".

 

إلاَ أنّ الكارثة الحقيقية التي تهدد شبعا ، هي على الصعيد الصحي ، فشبعا القائمة على طبابة المستوصفات وعلى مركز للصليب الأحمر وأخر للدفاع المدني إضافة إلى مركز شبعا الصحي الإجتماعي ، هي أمام أزمة فعلية ومتداعية ، فحيث أنّ أقرب مستشفى إليها  " مستشفى مرجعيون " وهو الذي يبعد عن المنطقة 35 كلم مربع ، الأمر الذي يجعل العديد من الحالات الحرجة معرضة لخطر الموت بسبب طول المسافة .

مع الإشارة إلى أنّ هناك مستشفى بكامل تجهيزاته قد تمّ بناؤه في شبعا بعد حرب تموز وهو جاهز منذ نهاية العام 2008 ، ولا ينقصه إلا الإفتتاح ، إلا أنّه ما زال مغلق لأسباب سياسية بحتة .

 

هذا الوضع الصحي في شبعا ما كان ينقصه غير أزمة اللاجئين وما ترافق معها من أمراض وأوبئة إنتقلت إلى الساكنين اللبنانيين  ، ممّا زاد الأمر خطورة ، خصوصاً في عدم قدرة المستوصفات على استيعاب جميع الحالات .

 

شبعا ، اليوم تعاني من احتلال من نوع آخر ، فهي المغيبة عن اهتمام المؤسسات والفعاليات الجنوبية و اللبنانية ، وهي المهمشة مناطقياً نتيجة لإستقلالها عن السياسات المحلية .

 

من يلتفت لشبعا ، لأهلها ، لأوضاعهم الصحية التي تطلب حلولاً عاجلة ، الوضع برهن المعنيين ، برهن نواب الجنوب المتخاذلين عنها ،  وقوى الأمر الواقع التي تفرض سيطرتها جنوباُ ، والتي تدّعي الإنماء والإعمار والتنمية ؟!

هذه القوى المنغمسة في الأزمات والإهتمامات الأقليمية ، فيما ضمن أراضيها مناطق هي بأمّس الحاجة إلى رعاية وإنقاذ فعلي من المشاكل المتزايدة بفعل التهميش و اللامبالاة بها ..

الوضع الإجتماعي والإنساني ولا سيما الصحي بهذه المنطقة أصبح على أهبّة الإنفجار ، لنتساءل من المستفيد من إهمال شبعا ؟

وما الهدف من تضييق الخناق عليها صحياً وإجتماعياً ؟!

ولماذا لا تلتفت القيادات الجنوبية إليها ، وإلى متى ستبقى المستشفى التي شبعا وأهلها بأشد الحاجة إليها "وقف سياسي" !