في الجزء الثالث من هذه السلسلة النقدية يقدّم الكاتب محمد الحاج حقائق تاريخية تناقض أحداث فيلم "أميرة الروم". ويسأل: إذا كانت "مليكة" أُسرت في العام 842 م – حسب الفيلم – فكيف يصح أن تكون زوجة الحسن العسكري المولود 846 م، فهل تكون ولادته بعد 4 سنوات من زواجه؟".

الأحداث والتواريخ الحقيقية تناقض وقائع الفيلم . إذ يقول الموقع الالكتروني التابع لكشافة المهدي، المنتج للفيلم، إنّ أحداثه تدور في القرن التاسع الميلادي. أما الموقع الالكتروني للفيلم فيقول بثقة تامة إنّ الأحداث “تجري في العام 842 م بالتحديد”. ويسمي قائد جند قيصر الروم بـ “كرايتوس” من دون أن يشير إلى اسم القيصر. لكن في العودة إلى التاريخ الإسلامي والتاريخ البيزنطي نجد أنّ إمبراطور بيزنطيا في العام 842 م كان اسمه ثيوفيلوس، وتسميه المصادر التاريخية للمسلمين (توفيل بن مخائيل). وكان اسم قائد الجند لديه ثيودور كراتيروس، وهو الذي أسماه الفيلم “كريتوس”. لكنّ هذا الفيلم لا يمكن أن تستقيم أحداثه وفق الرواية الشيعية مع العام 842 م. فالمعركة الكبرى بين المسلمين، بقيادة الخليفة العباسي المعتصم بالله، وبين الإمبراطور ثيوفيلوس، وقعت في العام 838 م، عندما هاجم المسلمون مدينة عمورية، مسقط رأس أمبراطور الروم آنذاك، ودمروها تماماً وقتلوا سبعين ألفاً من سكانها ومن جيش الإمبراطور، وأخذوا الأحياء أسرى وعبيداً ومن بينهم كان الأسير كراتيروس قائد الجند.

 

وبالتالي فلقد كان كراتيروس ما يزال في الأسر العام 842 م، وقد بقي في الأسر سبع سنوات حتّى العام 845 م حين تمّ إعدامه مع 42 شخصية أساسية تم أسرها في معركة عمورية. وتذكر المصادر البيزنطية أنّه تم قطع رؤوسهم على ضفاف نهر الفرات لرفضهم اعتناق الإسلام والتخلّي عن المسيحية. وما زالت الكنيسة الأرثودوكسية تحتفل حتّى اليوم بذكرى الشهداء القديسين الإثنين والأربعين وعلى رأسهم كراتيروس في السادس من آذار كلّ عام.

وقد هاجم المسلمون مدينة عمورية (حسب كتاب “تاريخ الأمم والملوك” للشيخ محمد بن جرير الطبري) ردّاً على مهاجمة ثيوفيلوس (توفيل) لمدينة زبطرة مسقط رأس الخليفة المعتصم بالله وتدميرها وقتل أكثر من 10 آلاف من أهلها والتمثيل بجثثهم وسبي ألف من نسائها. هذا بعدما وصلت إلى الخليفة الصرخة المشهورة تاريخياً التي أطلقتها إحدى النساء مستغيثة “وامعتصماه”.

 

تقول الرواية التي نقلها الشيخ الصدوق إنّ “مليكة” هي بنت يشوعا، حفيدة القيصر ووريثته. وكان عمرها 13 عاماً عندما أسرها المسلمون في العام 842، بحسب التاريخ المعلن لأحداث الفيلم. كيف يمكن أن يستقيم ذلك إذا علمنا أن ثيوفيلوس (812 – 842) حاكم بيزنطيا كان عمره العام 842 م ثلاثين عاماً فقط؟ وهو العام نفسه الذي توفي فيه، وخلفه على عرش بيزنطيا ابنه مخائيل الثالث.

هل يمكن للجدّ أن يكبر ابنة ابنه بـ17 عاماً فقط؟! هل يمكن لابن الـ17 عاماً أن يكون جداً؟! فبكم حينها يكبر ابنه يا ترى؟ ومتى تزوج ابنه وأنجب مليكة وريثة العرش المزعومة؟ وأين هو ابنه يشوعا والد مليكة؟ الذي لا ذكر له في التاريخ. إذ كان لدى ثيوفيلوس ولد اسمه قسطنطين مات بعمر الثلاث سنوات، وآخر هو مخائيل الذي ورث حكم أبيه قاصراً، أو بالأصح طفلاً، بالإضافة إلى خمس بنات هنّ: ماريا وتكلا وآنّا وانستازيا وبلخاريا.

 

تقول رواية الفيلم إنّ القيصر أراد أن يزوّج مليكة من ابن أخيه، رغم أن الوقائع التاريخية تثلت أنّه ليس لثيوفيلوس أخوة بالأصل حتى يكون لديه ابن أخ. ويقول فيلم أميرة الروم إنّ القيصر أراد تزويج مليكة من قائد جنده كرايتوس، لكن الوقائع التاريخية الدقيقة في تاريخ بيزنطيا تقول إنّ كراتيروس، قائد جند ثيوفيلوس الذي أرسله كي يقود التصدّي لجيش المسلمين في أنقرة وعمورية، كان مخصيّاً. وقد أكّدت ذلك مصادر عربية وغربية مثل كتاب “الأمبراطور ثيوفيلوس والشرق The emperor Theophilos and the east”، لكاتبه البروفسور خوان كودنر، وكتاب عن “الخصيان في العهد البيزنطي The perfect servant – eunuchs and social construction of gender in Byzantium”، لمؤلفته كاثرين رينغروز. وقد أكّد الطبري في تاريخه أنّ القائد الذي أرسله توفيل للدفاع عن أنقرة وعمورية هو “المخصيّ”، دون أن يذكر اسمه. فهل يعقل أن يسعى القيصر لتزويج حفيدته من رجل مخصي؟

 

 

(محمد الحاج)