داعش يعلن عن نفسه في البحرين، فيشكل بذلك مساراً، أو عاملا جديدا يدخل على خط الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد منذ ما يقارب الأربع سنوات ونيف. الأزمة تلك، ذات الثنائية الملتبسة، معارضة ونظام، أو شيعة معارضون ونظام، يأتي وقع «داعش» عليها مختلفاً ومتمايزاً عن بقية الخليج ما يحيلها إلى وضع أكثر تعقيدا.

فالبحرين ليست الكويت، التي قدمت أنموذجا فريدا استطاع أن يفعل فعل الاسفنجة في امتصاص الصدمة. الكويتيون تداركوا الأمر، كما تداركت السلطة الأبوية فيها تبعات أن يفجر أحدهم نفسه في مصلين سجّد، وسجل أميرها حضورا محمودا في قلب الحدث. عامل آخر في الكويت لا يمكن القفز فوقه، فلا خصومة تحضر بين السلطة والشيعة، ولا أزمة سياسية يدخل «داعش» على خطها فيحيل الأمر إلى كارثة.

في البحرين يبدو الأمر مختلفا. المعطيات المحلية تقول غير ذلك. الشيعة في هذا البلد يتحدثون عن تمييز يمارس ضدهم، وعن اضطهاد ديني ومحاولات حثيثة من السلطة لاحتواء التيار السياسي المعبر عنهم، ويتحدثون عاليا عن عملية تجنيس سياسي تهدف إلى تغيير التركيبة الديموغرافية لمصلحة طائفة على حساب أخرى.

وبالإضاءة على بعض مفاصل الأزمة في ما قد يساهم في توضيح إشكالية البحرين وخصوصية هذه الإشكالية، نورد بعض المعطيات:

– سجل تقرير اللجنة البحرينية لتقصي الحقائق الصادر في 23 تشرين الثاني العام 2011، عمليات هدم لمساجد تراثية وتاريخية، وإقالات جماعية من مناصب ووظائف في الدولة على أسس مذهبية وعلى خلفية سياسية.

– الأزمة سجلت في أيامها الأولى حضورا قويا لخطاب الكراهية. خطاب اتهم الشيعة بالعمالة لإيران، والعمل على تغيير النظام بهدف إقامة جمهورية إسلامية على غرار جمهورية ولاية الفقيه في إيران.

– في السجون يمكن القول إن الأغلبية الساحقة فيها من الشيعة، لأنهم معارضون وناشطون، وبطبيعة الحال يمكن أن نفهم في السياق ما يحكى عنه من تعذيب تقول المعارضة إن هؤلاء تعرضوا له. كل تلك أوراق تقوي عصب الأزمة بين السلطة ومكون أساسي في البحرين، فيأتي «داعش» ليضيف إلى الأزمة أزمة.

ومنذ أن أعلن «داعش» عن نفسه في البحرين على لسان القيادي البحريني في التنظيم تركي البنعلي، والدولة تحاول أن تحضر بقوة فيغيب عنها إسفين الأزمة المتراكم منذ أربع سنوات، أو ربما هي سياسة الفصل بين الأزمة السياسية والتهديد الأمني، الذي يحتم على الدولة أن تقوم بدورها في الحفاظ على أمن المواطنين.

جملة من الإجراءات أعلنتها الداخلية، واحترازات أمنية بالتنسيق مع الأوقاف الجعفرية تحسبا لأي حادث قد يدمي قلب البحرينيين، لتأتي ردود الأفعال المحلية غير مطمئنة.

يقول القيادي في «جمعية الوفاق» مجيد ميلاد، واضعاً وسماً على تغريدته عبر موقع «تويتر» يحمل عنوان «تحلمون _ أن _ توقفوا _ المواكب الحسينية»، على خلفية توجه الاوقاف على اقتصار العزاء في داخل الحسينيات ضمن الاحترازات الأمنية، «ليس بعيدا غدا أن نسمع عن إيقاف صلاة الجمعة والجماعة والحبل على الجرار»، ويضيف: «لو جئنا لدراسة ما قامت به الاوقاف ضد تهديدات داعش للمساجد والمآتم، فلن نرى إلا تصريح تركيب كاميرات ومشكوك في نيتها». وميلاد محتجز الآن بتهم التحريض على النظام بعدما نشر هذه التغريدات على حسابه.

من جانبه، يقول المعارض جواد عبد الوهاب المقيم في لندن عبر «تويتر»: «بعدما جربت كل أنواع القمع وفشلت في إخماد الثورة، وكسر إرادة الجماهير، ها هي السلطة تستثمر ورقة داعش لإشغال الناس عن أهدافهم الكبرى». ويقول في تغريدة أخرى: «داعش لن يضرب في البحرين ﻻن السلطة هي داعش، واذا ما حصلت ضربة فإن السلطة هي من قامت بها».

هنا يبدو أن الاستثمار السياسي يصل إلى أقصاه، كما يبدو أن أزمة الثقة لا تترك مجالا لتشكيل جبهة في مواجهة تحدي «داعش»، فيما أمن المواطنين على المحك. حتى دعوة الصلاة الموحدة في جامع عالي التي دعت إليها «المؤسسة الوطنية للمصالحة والحوار الوطني» لم تلقَ صدى ولا إجماعا وطنيا كما حدث في الكويت.

أهالي المنطقة أصدروا بيانا قالوا فيه: «نحن أهالي عالي نرفض هذه الدعوة جملة وتفصيلا كونها صادرة من شخصيات موالية للنظام الطائفي، والذي مارس وما يزال يمارس اضطهاد الطائفة الشيعية على جميع المستويات لا يوثق به ولا بمواليه».

ويضيف البيان: «نحن لسنا ضد أي خطوات تعمل على الوحدة الاسلامية والوطنية ولكن ينبغي أن تنطلق من شخصيات ليست ملطخة بداء الطائفية المقيتة، ونحن من خلال هذا البيان نبين أن خطوة الصلاة الموحدة المزعومة لا تمثل أهالي قرية عالي، والشخصيات التي ستشارك فيها من وزراء وغيرهم ممن أذاقوا الشعب والوطن الأمرين».

اذاً البحرين ليست الكويت. أزمة الثقة تلقي بظلالها على المجتمع المحلي. وكل خطوة تخطوها السلطة ينظر إليها بعين الريبة والشك.

بين الشعور بالاضطهاد والاستهداف لدى المكون الشيعي، ودور الدولة في تأمين سلامة المواطنين، تكمن جملة من العقد، ما يطرح العديد من التساؤلات، كيف ستتعاطى الدولة مع واقع «داعش» في ظل استمرار الأزمة السياسية. هل يدفع «داعش» بالسلطة إلى البحث عن تسوية تحيل العقدة إلى حل، أم أنها ستصر على منهج الفصل بين السياسة والأمن.

ربما مر هذا الأسبوع من دون «جمعة موت» تسجل بدماء البحرينيين في مساجدهم، ولكن هذا لا يعني أن البحرين خارج دائرة الاستهداف. فما هو منتظر سيضيف مشكلة الى مشاكل هذا البلد الصغير جدا جدا في جغرافيته والكبير فعلا في مشاكله.

(وفاء العم- السفير)