تراجع تيار المستقبل الى الوراء وبطريقة سريعة وفقد بالسرعة نفسها الرصيد المتبقي من إرث الشهيد رفيق الحريري ، طبعاً هناك أسباب ملحوظة ومرئية دفعت بالتيار إلى الهبوط في أسفل السياسة اللبنانية بعد أن تصدّر واجهة المشهد التمثيلي في الساحة السياسية لفترة عصيبة كادت أن تعطي التيار كل نتائجها الإيجابية لو أنه أحسن التصرف السياسي وسلك مسلكاً منسجماً مع الشعارات السيادية التي رفعها وأقسم عليها أثناء تشييع الشهيد رفيق الحريري .

كانت حكومتا الرئيسين السنيورة وسعد الحريري من أسوأ التجارب الحكومية والتي أفضت إلى مزيد من الأزمات السياسية والإقتصادية وهذا ما دفع إلى عزل الحريري سياسيّاً والنأي بتيار المستقبل بعيداً عن المشاركة الحكومية بعد أن تخلى عنه أعداؤه وحلفاء له انسجاماً مع مرحلة يقودها حزب الله ضمن حسابات إقليمية دقيقة جداً .

إن فشل التيار في قيادة حكومة شراكة مع 8 آذار أضعفه بعد أن أنهكه عبء الشعارات التي لم يصمد أمامها طويلاً وباعها لأول مشتر منذ الإتفاق الرباعي ولغاية حكومة الطفاية ، وأسهم ابتعاد وليد جنبلاط عن قيادة دفّة فرقة 14 آذار في جعل تيار المستقبل مأزوماً لإنتقاص حجم التمثيل من جهة ولغياب مرشد السياسة الداخلية التي وفرّها جنبلاط طيلة مرحلة قيادته المباشرة لقوى المقاومة ضدّ سورية وحلفائها .

يعيش تيار المستقبل في المرحلة الحالية عُقَدْ الذنب من سياساته التي جعلته صفراً بعد أن كان رقماً في السياسة المحلية فهو فاقد لتمثيله الشرعي لطائفة باتت على خلاف جذري معه ، ولولا ضمانته العربية لفقد مشروعية التمثيل الرسمي .

كما أنّ اختصار وجوده في حكومة معلقة على شروط  "عون" دون أن يكون له رأي صارم في الثوابت الوطنية من قيام الدولة وبسط سلطتها إلى السلاح وأحزابه إلى حرب سورية ومشاركة لبنانيين فيها على مرأى منه دون أن يحرك ساكناً في حكومة أقل ما يقال فيها أنها غير قادرة على فعل شيء جوهري سوى التلطي بتدابير سخيفة جداً ، و توفير التغطية السياسية المطلوبة لدور لبنانيين مقاتلين في سورية ، كلها عناصر أودت بحياة التيار وجعلته مجرد زبون سياسي في تجارة حكومية باتت تتسع أسواقها لصالح بيع كل شيء حباً بكرسي سلطة وطمعاً بدور منقوص في إدارة أزمة لبنان الجديدة .

لم تعد المحكمة الدولية أوجب الواجبات ولا السلاح غير الشرعي أولى الأولويات ولا قيام الدولة ونهاية الدويلة مرتكزات وطنية ، وباتت الطفاية والمثلث الفسفوري وشنطة الإسعافات الأولية إحدى ركائز قيام وطن متعاف من أمراض مزمنة والمنافسة الحادة بين طموحات رخيصة آخر بقايا صندوق المستقبل .