ارتفعت في السنوات الأخيرة كميات أدوية الاكتئاب المستهلكة في الدول المتطورة إلى مستوى الضعف، كما جاء في تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، في حين تتشكك الأوساط الطبية من مدى فاعليتها وتحذر من أعراضها الجانبية.

 اضطرابات نفسية، وآلام الرأس والمعدة، هي من بين الأعراض الجانبية الكثيرة لأدوية الاكتئاب، كما يقول ماتياس زايبت من الإتحاد الفيدرالي الألماني لخبراء العلاج النفسي في حوار مع DW. و عن الدواء الذي ظهر في السوق حديثا ويحتوي على مادة السيروتونين المساعدة على مواجهة الاكتئاب، فإنه قد يساهم في الرفع من مستوى خطر الإقدام على الانتحار.

مثل هذه الأدوية هي موضع جدل حاد بين الأطباء النفسيين، غير أن ذلك لايمنعهم من القيام بـ”توزيعها” على مرضاهم وكأنها قطع حلوى، كما يقول ماتياس زايبت، متهما الأطباء النفسيين بالعمل على “نشر الإدمان بين المرضى” من خلال ذلك. ويضيف أن السبب في ذلك يعود إلى “الأرباح الكبيرة التي تجنيها شركات الأدوية من تلك الأدوية وإلى ما يحصل عليه الأطباء من رشاوى من تلك الشركات”.

وعبر الخبير زايبت الذي هو عضو في جمعية مناهضة أدوية الاكتئاب أيضا، عن اعتقاده أن التقرير الأخير الذي صدر في الحادي والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الجاري، عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، يزكي موقفه هذا، حيث إنه يشير أيضا إلى حدوث ارتفاع كبير في عدد الوصفات الطبية المرتبطة بهذه الأدوية.

وفي هذا الإطار أفادت فاليري باريس لـDW وهي من المنظمة ذاتها، أن نسبة استهلاك الأدوية بين دول المنظمة قد تضاعفت في العقد الأخير. ففي ألمانيا وحدها ارتفع مستوى الاستهلاك بنسبة 2.15 في المائة. وقد تصدرت إيسلندا وأستراليا وكندا قائمة الدول المستهلكة للأدوية المنشطة والمعالجة لأمراض الإكتئاب. ففي آيسلندا مثلا، يتناول عشرة في المائة من السكان االعقاقير المعالجة لأمراض الاكتئاب، مقابل سبعة بالمائة عام 2000. وحسب تقديرات طبية، يعاني حوالي 350 مليون شخص في العالم من هذا المرض.

أسباب ارتفاع نسبة الاستهلاك

وهناك أسباب كثيرة وراء ارتفاع أعداد الوصفات الطبية المرتبطة بأدوية الاكتئاب. منها ارتفاع عدد الإصابات بمرض الاكتئاب، كما توضح كريستا روث- زاكنهايم ، رئيسة اتحاد الأطباء النفسيين. وهناك أيضا حالة عدم الاستقرار الاقتصادي التي تعاني منها دول الجنوب داخل الإتحاد الأوروبي، حيث إنها تساهم في ارتفاع عدد الوصفات الطبية الخاصة بهذه الأمراض. وحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تم خلال السنوات الأخيرة تسجيل ارتفاع ملحوظ في اسبانيا والبرتغال بنحو عشرين في المائة. ويكمن السبب الثالث في هذا التطور أيضا إلى الاستخدامات الموسعة لهذه الأدوية في مجالات كثيرة، حيث لم تعد أدوية معالجة الاكتئاب تستخدم لعلاج الاكتئاب فحسب، وإنما أيضا لعلاج الآلام المزمنة أو حالات الخوف والهلع.

 من خلال استعمالها في حالات المرض بدرجات خفيفة ومتوسطة أظهرت دراسات طبية أن نتائج تلك الأدوية لم تكن أفضل مقارنة بالأدوية الوهمية. كما لم يتم بعد نشر ثلث الدراسات الخاصة بأمراض الاكتئاب، كما ذكرت المجلة البريطانية الطبية المتخصصة das New England Journal of Medicine، التي اعتبرت أن عدم نشرها يهدف إلى التستر على مخاطرها وضعف فعاليتها.

وإضافة إلى القلق من أن تكون عديمة الفائدة، هناك أيضا تخوفات بشأن الأعراض الجانبية لهذه الأدوية. وتشير الطبيبة النفسية كريستا روث- زاكنهايم إلى عدم وجود نظام مستقر منبه للمريض ولما قد يحدث له، حيث تختلف تأثيرات تلك الأدوية على المريض. بيد أن التجارب أثبت أنه بعد تناول تلك الأدوية، قد يستعيد المريض شخصيته الأولى، أي شخصيته قبل ظهور أعراض المرض، ويمكنه بالتالي مزاولة حياته اليومية مجددا. “وهناك أيضا حالات مرضى مصابين بانفصام الشخصية، تحولوا إلى أشباح بعد تناولهم لتلك العقاقير”، كما تستدرك المتخصصة، غير أنها تؤكد أن أهم جزء في عملية العلاج يتجلى في تركيز الأطباء على الدخول في تواصل مستمر مع المريض لمساعدته على التخلص مما يسكنه من خوف. إنها وسيلة أنجع.

(ليالينا)