مع كل اللباقة في الكلام التي يتميز بها، ومع إستخدامه لأكثر العبارات إستثارة للمشاعر ، لم يستطع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ومع التلويح بقبضة يمينه التي يرفعها تارة بالتهديد والوعيد وأخرى تأكيداً لإنتصارات إلهية وهمية ، أن يقنع أحداً من اللبنانيين ومن خلال إطلالاته الإعلامية الأخيرة المتكررة بأنّ حزبه إنّما يدافع عن حدود لبنان الشرقية من هجمات الجماعات الإرهابية والتكفيرية ، ويحدّ من خطرهم الزاحف على كافة المكونات الطائفية للمجتمع اللبناني من شيعة وسنة ومسيحيين ودروز وغيرهم ، بإستثناء بعض الرموز الحزبية والدينية المرتبطة بحزب الله إرتباطاً مالياً وثيقاً ، وبعض القطعان من عامة الناس الذين يستحضرهم  لحضور مهرجاناته وإحتفالاته بأجور مدفوعة سلفاً والتي قد لا تتعدى وجبة غذاء مع النقل المجاني .

وبالتالي لم يستطع السيد نصرالله إخفاء حجم الإرباك والخسائر التي تعاني منها عناصره في الميدان السوري ، كما أخفق في إقناع الأطراف اللبنانية بصوابية خياراته بإنخراطه في الحرب العبثية التي يخوضها على مختلف المناطق السورية تحت عناوين مختلفة إلى جانب النظام المتهاوي.

إذ أنّه لا إنتصارات القصير وحمص والقلمون كانت قادرة استراتيجياً على قلب المعادلة السورية أو حسم المعركة لصالح النظام ، ولا الحرب وضعت أوزارها في التواريخ الوهمية التي كانت تحددها قيادات من حزب الله أكثر من مرة .

ويبدو أنّ حزب الله الذي يدفع بهذا الكم الهائل من الخسائر البشرية والمادية ، حيث أشارت تقارير صحفية إلى سقوط أكثر من 1300 مقاتلاً في أرض المعركة في سوريا وأضعافهم من الجرحى ، بات يدرك في حساباته الداخلية أن أفق إنقاذ نظام الأسد بات مسدوداً سياسياً وعسكرياً ، وبالتالي فهو غير قادر على تحرير إدلب وجسر الشغور وغيرهما من المناطق والمدن البعيدة عن الحدود اللبنانية من أيدي المعارضة المسلحة .

وعليه فقد يحاول الحزب اللجوء إلى التغيير في نوع مهمته في سوريا وتحويلها إلى ضبط وحماية طرق إيصال أسلحته وضمان حد أدنى من العمق الإستراتيجي عبر حماية العاصمة دمشق والإبتعاد عن المعارك الشمالية ، سيما وأنّ الواقع السوري تحوّل إلى حرب إستنزاف لحزب الله وإيران لا يستفيد منه غير إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية .

وفي هذا التحوّل فإنّ حزب الله يحاول شراء بعض الوقت لحين دخول إيران خط المفاوضات على سوريا والذي قد يصبح سالكاً بعد الإتفاق النووي الإيراني مع الدول الغربية في أواخر شهر حزيران القادم ، مع الحفاظ على الحد الأدنى من ماء الوجه وعدم الغرق مع النظام الذي ستتم المفاوضات على مصيره ومصير رأسه .

وشراء الوقت يقتضي من حزب الله حشد قاعدته الشعبية وسط تململ داخلي من أهالي القتلى والجرحى الذين يتزايد أعدادهم يومياً ، وهذا يتطلب من نصرالله أكثر من خطب حماسية وتعبوية وتصل إلى حد إتخاذ خطوات جريئة مبنية على الحد من الإنزلاق في الوحول السورية للتقليل من حجم الإستنزاف في طاقاته البشرية والمادية .