ليس خافيا أن هناك مظلة دولية واقليمية تحفظ للبنان حدا أدنى من الأمن والاستقرار وتحول دون وقوع الأطراف اللبنانية في مطبات أمنية قد تؤدي باللبنانيين إلى الانزلاق نحو حروب أهلية. إلا أن هذا لا يعني بالضرورة أن البلد يتصدر الاهتمام الدولي المنشغل اساسا بإعادة رسم المنطقه وبلورة خريطتها الجديدة في سياق التسوية الكبرى التي يجرى ترتيبها والإعداد لها.

وهذا مؤشر مثير للقلق من الانعكاسات السلبية التي يرتبها مثل هذا الاغفال الدولي للملف الداخلي. خصوصا بعد التردي الواسع التي آلت إليه البلاد على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والمالية. مراجع سياسية بارزة لا تنفي تصنيف لبنان في آخر سلم الأولويات الدولية لكنها في المقابل لا تقلل من أهمية التحذيرات التي يتلقاها لبنان يوميا من المسؤولين الدوليين حيال الأخطار الكبيرة التي تتهدد البلاد من جراء الأوضاع المشتعلة في المنطقه وارتدادات الأزمة السورية المتفاعلة على الساحة اللبنانية مشيرة إلى أنه لا يمكن للقوى السياسية الاستمرار في تسليم الوضع الداخلي اللبناني إلى الخارج والبقاء مكتوفة الأيدي وعدم تحمل مسؤولياتها لمنع الانهيار ولملمة الوضع ومعالجة مكامن الضعف والاهتراء في انتظار ما ستحمله التسوية الكبرى للمنطقة بما فيها لبنان.

وفي هذا السياق تأتي زيارة الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة (سيغريد كاغ ) إلى لبنان وجولتها الأخيرة على مجموعة من القيادات الرسمية والسياسة حيث دعت هؤلاء إلى التيقظ والتعامل بجدية مع الأخطار المترتبة عن النزوح السوري. كاشفة عن الأسباب التي ترفع منسوب القلق لدى الأمم المتحده والمرتبطة في شكل أساسي بالاستخفاف الداخلي بتداعيات الوضع الاقليمي على لبنان.

وإذا كان من المسلم به أن أي من الافرقاء اللبنانيين ليس بمقدوره حاليا قلب الحكومة التي تشكل آخر مدماك في الحياة الدستورية وتعطيل عملها بعدما تعطلت رئاسة الجمهورية بفعل الشغور الرئاسي الذي سيدخل عامه الثاني وشل المجلس النيابي بفعل التعطيل المبرمج والممنهج تارة تحت عنوان تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية وطورا تحت عنوان عدم إجازة التشريع في غياب الرئيس.

إلا انه ليس هناك ما يمنع العمل على معالجة بعض الملفات الحيوية المرتبطة بحياة الناس وبلقمة عيشهم لإعطاء الخارج إشارات جدية عن جهوزية لبنان عندما يحين الوقت لجلوس مسؤوليه إلى طاولة التسويات. فثمة الكثير من الملفات التي يمكن إنجازها في مرحلة الوقت الضائع بما يحمي المؤسسات ويعزز دورها في خدمة المواطنين مثل ملفات الكهرباء او الموازنة أو سلسلة الرتب والرواتب. سيما وأن لبنان بات يرزح تحت دين عام يقارب السبعين مليار دولار. حسب بعض المصادر المالية.

ومن دون أن يرف جفن لأي مسؤول. فالأولى بالقيادات الحزبية والسياسة اللبنانية الاهتمام بالشأن الداخلي اللبناني وبحياة المواطن وعدم التدخل في ملفات إقليمية هي أكبر منهم وحتى أكبر من البلد كله الأمر الذي يؤدي إلى المزيد من التداعيات السلبية على لبنان وعلى مصالح أبنائه في الخارج. فالضرورة تقتضي تحصين الساحة السياسية في الداخل والنأي بالبلد عن الصراعات الإقليمية وتجنب شرر نيران الحروب المشتعلة حوله.