العنف قاطرة التاريخ عبارة اكتسحت الأدبيات الماركسية منذ بدايات القرن التاسع عشر ، معلنة أن صراع العمال في سبيل كسر قيودهم و تحصيل حقوقهم ، هو شرط التقدم اﻹنساني ، و هو النواة التي تنطلق منها كل الحركات الثورية ، الهادفة إلى التغيير و التحرر . و لم يكن يدور في خلد فريدريك إنغلز ، الذي أطلق هذا الشعار ، أن الصراع سيشوه ، و سيؤخذ إلى مكان آخر ، بعيد كل البعد عن الغاية التي ظهر ﻷجلها .

و الصراع الطبقي ، شئنا أم أبينا ، هو الصراع الوحيد الذي لا تشوبه شائبة ، و لا يختلف حول أحقيته اثنان ، إنه صراع نبيل ، شريف ، يقوم به المحرومون من حقوقهم بهدف إعادة الحقوق إلى أصحابها ، متجاوزين في ذلك ، كل اﻷوهام و اﻷكاذيب التي تهدف إلى تغييب الحقيقة و مصادرتها .

و لقد استطاع هؤلاء الفقراء ، فيما مضى ، أن يسترجعوا الكثير من حقوقهم ، من خلال وحدتهم من جهة ، و من خلال وعيهم لمصالحهم التاريخية من جهة أخرى . و إن الثورات المشرفة التي قاموا بها في سبيل ذلك أدت ، فيما أدت إليه ، إلى إقرار تشريعات جديدة و قوانين جوهرية خففت من استغلالهم و حفظت الحد اﻷدنى من حقوقهم .

و قد وافقت الطبقات المسيطرة على هذه التغييرات مضطرة ، مكرهة ، متحينة الفرص لﻹنقضاض على هذه اﻹنجازات و شطبها متى سمحت لها الظروف . لذلك ، عملت هذه الطبقات جاهدة لحرف الحقيقة عن مسارها ، مدعية أن الصراع في جوهره هو صراع حضارات و أديان ، و ليس صراع طبقات ، و قد وظفت في سبيل تسويق أفكارها الخادعة الكثير من أدواتها ( أموال و مفكرون و إعلام ) بهدف استلاب العقول و تأجيج العصبيات ، ما سيؤدي لاحقا" إلى إشعال الحروب الدينية و اﻹثنية و غيرها .

لقد استطاعت الطبقات المسيطرة ، بجهودها الحثيثة ، أن تقلب الحقائق ، و أن تلبس الحق بالباطل ، و أن تغير جوهر الصراع ، متوسلة في تحقيق ذلك وسائل تغييب الوعي الطبقي و تسطيحه ، و سلبه حرية التفكير أيضا" . أما المثقف ، الذي به مناط الحق و الحقيقة ، فقد استغرق في الصراعات الجانبية و الخلافات التفصيلية ، و خرج من معادلة الصراع الشريف ليدخل في معادلة حروب الزواريب المضللة ، ما أدى إلى خسارة الفقراء ناطقهم الرسمي و المتحدث باسمهم . و في نظرة سريعة على صراعاتنا و حروبنا المعاصرة ، سنجد أن الخاسر اﻷول هم الفقراء ، و سنجد أيضا" أن الرابح اﻷول هم اﻷغنياء .

فالفقراء هم دائما مادة الحروب و وقودها ، في حين أن اﻷغنياء هم تجار الحروب و مستثمريها ، و عليه تصبح الحروب هدف اﻷغنياء المنشود .

و ما يدمي القلب و يميت الروح ، أن تجد الفقراء و هم يقدمون أرواحهم رخيصة نصرة لزعمائهم و حفاظا" على مصالح مستغليهم ، فهل هناك مهزلة أكبر أو سخرية أقذر .

إنه لمن المؤسف أن نموت ليحيا أعدؤنا و أن نفقر ليستغني مضطهدونا أما آن اﻷوان لتعود بوصلة الصراع إلى اتجاهها الحقيقي ، فيعود الصراع الطبقي ليزرع قي حدائق عقولنا ورودا" و سلاما" .

سؤال برسم الفقراء و مثقفيهم ، و المستقبل ينتظر اﻹجابة .