يمثّل الحرمان من التعليم وجهاً آخر من وجوه المأساة لدى أطفال دول العالم الثالث، التي تدّعي كتب الجغرافيا بأنها في طور النمو، بينما هي في الحقيقة في طور "المراوحة بالمكان نفسه" لا أكثر. وتشكل عوامل "الفقر، التمييز، وتدني جودة التعليم" أسباباً أربعة رئيسية تهدد مستقبل (أطفال منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا) التعليمي والثقافي، وتأتي النزاعات المسلحة التي تشهد حرارة غير مسبوقة، في هذه المناطق لـ"تزيد الطين بلّة" وتسلّط الضوء على معدلاتٍ تجاوزت الخطوط الحمر في بعض الدول. فمع اتساع دائرة العنف، يتعرض ملايين من الأطفال لخطر التحول إلى "جيل ضائع" بسبب الحرمان من الحصول على المعرفة والمهارات اللازمة للنجاح في مرحلة البلوغ. ووصل عدد الأطفال واليافعين غير الملتحقين بالمدارس في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا الى 12,3 مليون طفل. وحسب الاحصاءات الأخيرة لمنظمة اليونيسف ومعهد الاحصائيات التابع لمنظمة اليونيسكو، فإن أكثر من 6 ملايين طفل آخرين معرضون لخطر ترك المدرسة. كما أن هناك 3 مليون طفل آخرين خارج المدرسة في سورية والعراق، حيث دمر النزاع هناك جزءاً كبيرا من جهاز التعليم.

اطلقت منظمة الامم المتحدة "اليونيسف" بالشراكة مع معهد اليونسكو للاحصاء "التقرير الاقليمي بشأن الاطفال خارج المدرسة"، تحت عنوان "كلنا في المدرسة- الشرق الاوسط وشمال افريقيا" وذلك ضمن مبادرة "الاطفال خارج المدرسة"، وذلك في مؤتمرٍ صحافي عقد أمس في "جفينور – روتانا".
ويأتي هذا التقرير في توقيت دقيق للغاية، في وقتٍ يشهد تصاعداً في حدة التوترات السياسية والأمنية في المنطقة، ويقوم بدعم الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي في وضع اهداف التعليم ما بعد العام 2015.
فـ"بالرغم من التقدم الكبير المحرز في ارتفاع معدلات الالتحاق بالمدرسة في العقد الماضي، لا يزال هناك طفل واحد من بين كل أربعة أطفال ويافعين (أكثر من 21 مليونا) في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا، خارج المدرسة أو مهددا بتركها".
أهمية التقرير
ويعتبر التقرير المشترك الذي أصدرته منظمة الامم المتحدة للطفولة (اليونيسف) ومعهد اليونسكو للإحصاء "الأشمل حتى الآن عن هذا الموضوع" ويسلط الضوء على العوائق المؤسساتية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تحول دون وصول الأطفال الى التعليم. تشمل تلك العوائق النزاعات المسلحة والتمييز المبني على النوع الجنسي والجودة المنخفضة للتعليم.
وبحسب التقرير، فإن انخفاض عدد الأطفال خارج المدرسة في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، بنسبة 40% من خلال العقد السابق كان إشارة إيجابية، ولكن هذا العامل تباطأ خلال الفترة الأخيرة بسبب مزيج من العوامل مثل الفقر والتمييز وتدني جودة التعليم والنزاع.
وركز التقرير على وجوب أن ترفع الحكومات من مستوى جهودها بصورة مستعجلة، وأن تعطي الاولوية بشكل اساسي للاحتياجات التعليمية للعائلات الهشة والفقيرة. كما ان هناك حاجة لوضع سياسات جديدة لتكثيف برامج تنمية الطفولة المبكرة والتصدي لقضية تسرب الطلاب من المدارس، والتمييز بين الجنسين ومساعدة المزيد من الاطفال في مناطق النزاع في الوصول الى التعليم. وعلى الجهات المانحة أن تخصص المزيد من الاموال لجسر الفجوات التي تبقي الاطفال خارج المدرسة، كما يحتاج الوضع إلى "تدخلات تستهدف فئات معينة للتمكن من الوصول الى العائلات التي هُجرت نتيجة النزاعات، والفتيات المرغمات على البقاء في المنزل، والاطفال المجبرين على العمل".
مشيراً إلى أن "البنات بشكل خاص معرضات لترك المدرسة بسبب التوجهات المسلكية الاجتماعية والزواج المبكر والنقص في عدد المدرسات النساء، وفي المعدل يتدنى احتمال التحاق البنت بالمدرسة عن احتمال التحاق الولد بها بنسبة 25 في المئة".

أرقام مخيفة
وتضمن التقرير أرقاماً مخيفة، لا تبشّر بمستقبلٍ تعليمي أفضل. فهناك ما يقارب الـ60 بالمئة من الاطفال في سن التعليم قبل الابتدائي في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا لا يشتركون في التعليم قبل الابتدائي، أو الابتدائي، و"معدلات التسرب الدراسي في التعليم الابتدائي انخفض الى النصف تقريبا". لكن ذلك لم يحرز أي تقدم خلال السنوات الماضية، و"3,4 ملايين طفل في سن التعليم الابتدائي و2,3 مليون طفل في سن المدرسة الاعدادية لم يلتحقوا بالمدارس". ويضاف الى هذا العدد 1,5 مليون طفل في سن الحضانة لم يلتحقوا بالتعليم، ما يرفع حصيلة الاطفال المتسربين من المدارس الى 3,12 ملايين طفل، بحسب التقرير. ويمثل هذا العدد زهاء 15 في المئة من الاطفال في الشرق الاوسط الذين هم في سن التعليم قبل الابتدائي والابتدائي والاعدادي. ويعزو التقرير الذي شمل درس الأوضاع في تسعة بلدان، سبب التسرب الدراسي الى عدد من العوامل بينها الفقر. إذ أنه "في حالات كثيرة، لا يسمح وضع الاسرة المادي بتحمل نفقات التعليم من رسوم الدراسة والكتب واللباس المدرسي، بالاضافة الى خسارة المدخول الذي يمكن ان يوفره الطفل في حال مارس عملا ما بدلا من الدراسة".
كما ويواجه العديد من البلدان في المنطقة، وأبرزها الجزائر وسورية وتونس، أزمة تسرّب شديدة على مستوى المرحلة الاعدادية. ففي هذه البلدان الثلاثة وحدها، يتراوح عدد الاطفال الذين يتسربون من المدرسة قبل الوصول الى الصف الأخير من مرحلة الاعدادية بين ربع الى ثلث العدد الكلي من الاطفال الملتحقين.

حواجز وتحديات
وكشفت الملخصات عن الاطفال خارج المدرسة في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا عن اكثر من ثلاثة مجالات من الاستبعاد خطورة في المنطقة، وهي تلك التي ترتبط بالمعدلات العالية للتسرّب، ولا سيما على مستوى التعليم الاعدادي، وباستمرار عدم المساواة بين الجنسين، بالاضافة الى الحماية المحدودة للحق في التعليم للاطفال المتضررين من النزاع.
ويواجه الاطفال الذين تشردوا بسبب النزاع بشكل خاص، حواجز شديدة في الحصول على التعليم. فقد أشار عدد من الدراسات لتقييم الاستجابة للتعليم في الحرب في سورية والتي أُجريت مؤخراً، الى الحواجز والاختناقات الرئيسية التي تعيق وصول الاطفال اللاجئين السوريين الى التعليم. ومن أبرز الحواجز هي ارتفاع تكلفة التعليم، ولغة التدريس، وانعدام الأمن، والاجراءات البيروقراطية وعدم وجود الاوراق القانونية للتسجيل في المدرسة. كما وتبرز مشكلة انخفاض مستويات التمويل كأحد أهم الاختناقات التي تعيق توصيل التعليم الى الاطفال المتضررين من النزاع.

توصيات رئيسية
وخلُص التقرير الى استخلاص توصيات ثلاث رئيسية، من شأنها التغلّب على الاستبعاد من التعليم وتقليص اوجه التفاوت في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، وهي : زيادة برامج تنمية الطفولة المبكرة والتعليم قبل الابتدائي، كجزء من برامج اوسع للحد من الفقر، فـ"يجب على الحكومات في المنطقة أن تضمن تقديم الاهتمام المناسب واتخاذ التدابير اللازمة لتوسيع نطاق تطبيقات برامج تنمية الطفولة المبكرة". كما أوصى التقرير بتعزيز الجهود المشتركة بين القطاعات من أجل معالجة الحواجز المتعددة التي تعيق الوصول الى التعليم، "فنادراً ما يواجه الاطفال الذين هم خارج المدارس حاجزا واحدا فقط للوصول الى التعليم". بالإضافة إلى وجوب إيلاء المزيد من الاهتمام لمسألة البقاء في المدرسة، وقبل كل شيء، يجب تحسين توجيه الموارد المالية والبشرية من أجل ضمان عدم دفع المتسربين من المدرسة الى خارجها.