نعم مات فواز الأسد، كأي بشري يُصيبه الموت. لكن أثر الحياة لدى كُل إنسان في مروره على هذه الأرض الفانية هو في بقاء أثره وذكره لدى الناس. ولأن البشر بطبيعتهم مختلفون، ولا يتفهمون أثر الشخصيات الخرافية كـ (فواز الأسد) فإن بعضهم يضحك على أفعاله، والآخر يتندر بقصصٍ قام بِها ليُضحك غيره، والبعض يتكلم عن فواز بوصفهِ فاسداً إقليمياً ومهرباً دولياً، والبعض يشتكي مما تعرضَ له أحد أقربائه أو أصدقائه أو معارفه من طغيانه وجنونه. 

فواز الأسد باخصار شخصية مكثفة، تشكل (لا وعي) آل الأسد مُجسداً، فواز في أوج الثمانينيات كان حاكماً فعلياً للساحل السوري، يضربُ من شاء من التجار، ويسطو على أعمالهم، يقود عمليات التهريب، أعوانه يعتدون على العُزل ولا يتوقفون عند الاعتداء والسرقة، بل ينتهي المطاف للقتل والاغتصاب. ولا تنسى المدينة هذا الظلم أبداً، ولا يُمكن إحصاء هذا العناء الذي تكبدته المدينة كُلها إذاً حرك فواز الأسد سياراته في شوارع المدينة. فواز يُمثلُ لاوعي عائلة الأسد لأنه مثل الرئيس الاب والابن، ينزع للسلطة والتسلط والمركزية في كُل ما يخص هذه الدولة التي باتت سلطانية الحُكم والتوجه. الفارق الوحيد والأساسي هو التقنية المتبعة في ظهور الشخصية الغرائزية وطغيان أثرها. مثلاً حافظ الأسد الأب على نوع من التصرفات والأعمال المنضبطة على المستوى الشخصي والعائلي المُقرب، فسلوك حافظ الأسد الخارجي رصين وهادئ، وقلما يلجأ إلى العنف المجنون والمنفلت كشقيقه رفعت. 

هذا على المستوى الشخصي. وكذلك الأمر اتبع هذا الشيء على أولاده، ما لم نتحدث عن الشخصية الانفعالية الغرائزية لباسل الأسد.

فواز يُظهر وجه العائلة كما يشتهي لا وعي الأسد الأب والابن، الطغيان الشخصي مع جانب من الكوميديا التراجيدية. العديمية في السلوك تتمظهر بالعُنف الاجتماعي المفتوح. يُوقف الطريق مثلاً وتتوقف السيارات لساعات لأنه يُريد أن يأكل ويصف السيارة في وسط الشارع. ويُدرب فريق تشرين – كرة القدم- ويضع الخطة التي على الفريق أن يفوز بها حتماً. المران النهائي قبل المباراة يكون في بيته الكبير. يؤجر سياراته لتاجر من وسط البلد ليهربوا بها ما شاءوا ، يشتري محتوى عربية فول أو ذُرة ويطعمها للمارة رغماً عنهم. والكثير من المواقف التي لا يُمكن حسبها والحديث عنها في مقال واحد. 

ولكن منذ ان تغنى حافظ الأسد بتركه لأقربائه بالهرج والمرج في سوريا كما شاؤوا، بات الصراع ليس بينهم وبين الدولة التي لا تظهر أمامهم والتي لا يعرفونها إلا أثناء تسجيل أملاكهم ، بل مع النظير الآخر من بيت الأسد. يكثر الأسديون في محافظة اللاذقية، وعموماً كُلهم يكرهون بعضهم بعضاً، كأخوة أو أولاد عمومة. لا يُمكن وصف تفكك هذه الأسرة وشجعها، لا تملك شخصاً متزناً أو ينم على سلوكه أي صفة أخلاقية. أولاد جميل وبينهم فواز قد حاولوا فتح قبر الأب لتوجيه التركة التي خلفها جميل. وجميل الساذج ابن القرية البسيط قد حاول في وقتٍ ما أن يَصير إماماً او ولياً، واقترح مرةً ان يكون رئيساً ذلك على خلفية خلاف رفعت وحافظ الأسد... مما صبغ الأبناء بهذا الحلم، لكن على مستوى مدينة اللاذقية فقط، مما جعلهم بسلوك السلاطين، وكان فواز أشهرهم وأغباهم واكثرهم جشعاً ليكون ابن سلطة سلطاني. 

لفواز صراعات كثرة إحداها مع شركة الجود، فاستورد السكر مثلاً وحاول الوقوف في وجههم، وفواز لا يملك عقلية توافقية تجارية أبداً، بل استورد السكر وحاول منافسة الجود من منطلق تشبيحي قهري، مما دفع الجود وهي شركة أخوة من عائلة سنية في اللاذقية، إلا أنها تحظى بدعم من حافظ أسد شخصياً، مما جعل الأسد الأب يُوقف فواز عن إزعاج شركة الجود. وفي محاولة أخرى حاول فواز السيطرة على المناقصات الحكومية في الساحل مما جعله يخسر خسارات كبيرة، لأن المنتجات المقدمة أو المأخوذة من مؤسسات حكومية ضخمة تحتاجُ إلى تخطيط وتنظيم ومكاتب إدارية وحكومية، وفواز الأسد لا يعرف أن يُحصي أصابع يديه، رغم أنه يحمل شهادتين علميةٍ...! في ظل كل هذا الفشل بدأ فواز بتنظيم عملياته في التهريب كما ذكرنا، مما أدخله في خلاف مع شيخ الجبل المُهرب الأكثر شهرة لربما على مستوى المنطقة والإقليم، لأن سياراته لا تهدأ سواءً على خط تركيا أو العراق أو لبنان. كانت الأحداث تدور في على الطرقات، وزوايا الحدود، وداخل مدينة اللاذقية. والأشنع كان الخلاف على الأسواق. 

كان شيخ الجبل يحشد البائعين والموزعين ضد بائعي وموزعين بضاعة تابعين لفواز الأسد، والبضاعة هي الدخان المهرب. الدولة لا تتدخل سوى لإلقاء القبض على أصغر الموزعين وأفقرهم. شيخ الجبل نافس فواز أيضاً على تهريب السيارات من لبنان، مما تسبب بحرق محلات تصليح السيارات، فجماعة فواز تسرق السيارات وتفكها وتبيعها قطعاً، وشيخ الجبل يفعل هذا، مما أدى لحملات انتقامية انتهت بهروب الكثير من الصناع وخاصة من الأرمن إلى خارج اللاذقية. وعموماً انتهى الصراع الديكي بينهما بأن يقتسموا أيام التهريب بشكل مضحك. وأصبح المسافرون يعرفون سيارات التهريب لمن تعود بهويتها من جراء طبيعة المرور وسلوكِ سائقِ الأسديين. فسائقِ شيخ الجبل يُسرعون جداً في عمليات التهريب ويُجبرون أصحاب السيارات على التوقف، اما سائقِ سيارات فواز الأسد كانوا يسيرون بأقل مظهر إجرامي وتخويفي . والمسافرون العموميون يسألون أصحاب الباصات اليومية اليوم (دور مين؟)..

كل هذا تحت عين الدولة السورية العتيدة. ماذا ستفعل الحكومات واللجان الأمنية أمام الحقيقة الظاهرة للعائلة السلطانية، وخلافات مجانينها امام لاوعي حاكمها المُجسد. فواز الأسد وشيخ الجبل في أقل من أسبوع هل ارتاحت المدينة؟

كم كَثروا المجانين ودين الأسد مع الشبيحة لن ينتهي أبداً، وسيكونون فوازيين أكثر من أي فواز قريب لعائلة المُجرم ورغباته.   المصدر: اورينت نت