بدا واضحا من خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله حجم الصدمة التي سببتها عاصفة الحزم العربية في اليمن. حتى ان السيد نفسه عبّر في بداية كلمته بشكل واضح عن مفاجأته بحجم الحضور العربي، وبهذا التوثب العربي، والقدرات العربية العسكرية والأمنية وحتى السياسية والإعلامية التي سبقت وترافقت ولحقت هبوب “عاصفة الحزم” .

ولعل هذه الصدمة “المباركة” هي اكثر ما يحتاجها محور الممانعة الذي يُعتبر حزب الله وعلى رأسه امينه العام واحدا من اهم ركائزه والناطقين باسمه. وعليه فإننا من هنا يمكن التأكيد بأن ذبذبات الصدمة وموجاتها تلك لم تصب واحدا من فروع هذا المحور فقط، بل لعلها اصابت كامل الجسم الممانع وبكل تشعباته وصولا طبعا الى القلب في طهران.

واحدة من تجليات هذه الحالة الجديدة التي بدت في الخطاب هي ما لمسناه من فجوة واسعة بين سماحة السيد من جهة وبين الوقائع والمستجدات من جهة أخرى. حتى ظهر كأنه يتحدث بعيدا عن كل المجريات والتحولات التي مر ويمر بها الحزب، فيتحدث مثلا عن مصير الغزاة متناسيا ان قواته ومحازبيه يغزون القرى والمدن داخل الأراضي السورية، ويتناول موضوع حقوق الشعوب بتقرير مصيرهم وكأنه لم يساهم، هو نفسه وحزبه معه، في قلب المعادلة التي أرادها وسعى اليها الشعب السوري بتغير نظامه.

فنّد نصر الله وابطل كل الاعذار السعودية بشن هجمات على الحوثيين متهما إياها بمحاسبة النوايا، قافزا فوق حقيقة انه يخوض حربا “استباقية” في سوريا .

كذّب مقولة التمدد الإيراني والسيطرة الإيرانية بالمنطقة غاضا طرفه عن التصريحات التي ادلى بها كبار المسؤولين الإيرانيين، وتبجحهم بالحديث عن الإمبراطورية الإيرانية وعاصمتها بغداد، مستحضرا شماعة فلسطين والمقاومة مستذكرا للأسف دور النظام السوري ضاربا بعرض الحائط رأي أصحاب القضية بهذا النظام وما فعله ويفعله بهذه القضية وشعب هذه القضية.

هكذا ظهر الأمين العام لحزب الله، بخطابه، على غير عادته، مستعجلا وبدون تحضير دقيق لمواده والاهم من كل ذلك كان غياب النبرة التصعيدية وما تعودنا عليه من تهديد ووعيد وسحق ومحق للاعداء ووعد بالنصر المؤزر وتأكيد على صحة خيار المواجهة ونهاياتها التي طالما كانت انتصارات بجيبته الصغيرة.

لا شك ان حالة من ضباب الرؤية كانت، الى ما قبل هبوب العاصفة، تسيطر على عيون وعقول محور الممانعة من رأس الهرم فيه الى قواعده الشعبية البسيطة. هذا الضباب الكثيف الذي كان مسيطرا انما هو نتاج حالة غرور فرضتها خلو الساحة العربية من أي فريق حقيقي مترصد له… ما أوجد خللاً كبيراً في موازين القوى أدى الى خلق هذا الشعور الوهمي بفائض القوة . وهو ما جعل من هذا المحور ليس فقط لا يصدق بل ويستبعد أي احتمال لامكانية ان يقف بوجهه احد ليقول له: “حدك ع الزعرورة”!

من هنا كان السيّد خلال كل تلك الفترة السابقة يعتبر النصائح – التمنيات التي كنا نتلوها عليه ليلا ونهارا سرا وجهارا باتباع الحكمة والابتعاد عن فرض خياراته على الآخرين – انما هي مجرد آراء مغرضين او “عملاء” ولم يكن يملك حتى قابلية الاستماع للنصيحة.

ألا وقد وقعت الواقعة لا يسعنا في هذا المجال الا تكرار ما كنا نقوله للاخوة الإيرانيين أولا وللاخوة في حزب الله ثانيا، ولكل الشيعة أولا كذلك: “رحم الله امرء عرف ‘حجمه’ فوقف عنده”. مع الرجاء هذه المرة ان تكون صدمة “عاصفة الحزم” قد فتحت آذانهم وبردّت قليلا تلك الرؤس الحامية لتفكر هذه المرة بهدوء بعيدا عن الاستعراضات واخذ الصور الباهتة.