(أم منصور) امرأة من ريف دمشق فقدت ابنها على يد عناصر الدفاع الوطني الذين اعتقلوه في لية باردة ودون سبب معلن أو غير معلن، وقالت لها امرأة على علاقة بالمخابرات انها تعرف طريقة للوصول إلى ابنها لكنها تكلف 100 ألف ليرة فقط، وها ما دفع بالأم المسكينة إلى استدانة نصف المبلغ على أمل أن تكمله فور خروج ابنها من المعتقل.

مرت الشهور ثقيلة على الأم المفجوعة، دون أن تصل إلى معرفة أين مكان ابنها سوى بعض التبريرات من المخبرة عن وضع غابنها في (عدرا) تارة، ومرة في سجن صيدنايا لعلاقته مع مجموعة مسلحة في (داريا)، وذهبت الخمسة آلاف ليرة التي استدانتها في دهاليز الوساطات سدى، ولكن أملاً ظهر فجأة عندما عثرت على ضالتها في احد المشايخ الذين يقومون بأدوار المصالحة ويرتبط بوزارة (علي حيدر) عن طريق بعض عناصر الأمن، ووعدها بأن يجد له ابنها فلدى وزارة المصالحة جداول ترسلها عن أسماء مواطنين مفقودين يتم من خلال تلك الجداول التواصل مع أجهزة الأمن لمعرفة مصير هؤلاء.

الشيخ المذكور وهو ليس بشيخ دين أو إمام هو من وجهاء بعض القرى النائية وهو كما تقول المرأة، بل هو مساعد متقاعد كان يخدم في أفرع أمن الدولة، وعند بدء الأزمة تم تعيين هؤلاء لمعرفتهم بالأجهزة وبالناس من أجل أن يقوموا بدور الوساطة من أجل تسهيل خروج التائبين من المعتقلات وإعادتهم "من ضلالهم" إلى حضن الوطن.

تلك واحدة من حكايات المفجوعين في سورية مع سلسلة من النصابين والمتعاملين مع النظام الذين يقبضون ثمن كذبهم وفي الوقت نفسه يبلغون (أجهزة الأمن) عن نوايا الأهل وأحاديثهم ووجهات نظرهم المنفعلة التي ربما تقودهم إلى نفس المصير المجهول.

قصة (المصالحة) بدأت من الأيام الأولى للحراك السلمي عندما بدأت أجهزة الأمن بتشكيل وفود لزيارة الرئيس ونقل مطالب الناس، ولكنهم في حقيقة الأمر كانوا يرتبون لوجوه جديدة تتعامل مع النظام وتظهر بوجهين مع الشعب المضطهد وهي في وجهها الحقيقي ليست سوى أذناب مأجورة للنظام، وتم تعيين الرفاق البعثيون القدامى، وطرف عن كل طائفة ممن تثبت (وطنيته) أي (ولاءه المطلق للأسد)، ومخاتير متلاعبون،وبعض المثقفين من الصف الثالث والرابع ممن يفقهون شيئاً في الثقافة.

تطور عمل هؤلاء بعد حملات الاعتقال المخيفة التي قامت بها أجهزة الأمن، وصاروا وسطاء بين الناس وبين تلك الأجهزة، ولهم حصصهم التي يتفق عليها مما زاد من عمليات الاعتقال.

بعضهم دخل في التفاوض مع الخاطفين الذين شكلوا عصاباتهم وبدؤوا يخطفون أصحاب الأموال والشهادات ويطلبون أرقاماً كبيرة للإفراج عنهم، وثبت فيما بعد تورط كثيرين من لجان المصالحة في عمليات خطف كانوا طرفاً فيها.

أوقح هؤلاء المشايخ كان (أحمد شلاش) الذي فتح له الإعلام السوري شاشاته ومنابره للحديث باسم العشائر والحديث عن وساطات من أجل توبة البعض، وتحدث عن أن رئيس النظام أعطاه الصلاحية التامة في عقد هذه المصالحات، ونشر على الهواء أرقامه الخاصة، ومن بعدها اختفى عن الشاشة الوطنية وبين فترة وأخرى يخرج ليعلن ولاءه ووفاءه.

الخطوة التي رسمها النظام لإدخال لغة المصالحة كفخ محلي، كذلك ليبرز رغبته عالمياً في "حل تصالحي" كانت عندما أعلن عن تشكيل وزارة مصالحة برئاسة علي حيدر المعارض شريك قدري جميل التاجر الشيوعي.

موظفة كانت في وزارة المصالحة تقول: "كان دورنا تنظيم قوائم المعتقلين وتسويف المواطنين، ومنحنا بعض الصلاحيات في البداية لمخاطبة الأجهزة الأمنية، وأفرج عن عدد قليل من المعتقلين لأسباب ليست أمنية، ومن ثم تم سحب البساط منا، وعلي حيدر (لا يمون) على عنصر في الأمن حتى داخل وزارته، إنما دوره فقط عند الحاجة إلى تصريحاته".
 

 

 

المصدر: أورينت نت