ذات يوم قال لينين: "إعط الاميركيين ما يكفي من الحبال في افريقيا وهم كفيلون بشنق انفسهم". الآن يبدو ان باراك اوباما قرر ان يعطي الروس ما يكفي من الحبال لشنق أنفسهم في سوريا، البلد الذي شبع خنقاً وتمزيقاً!
واذا كان من الصحيح ان موسكو أسقطت "مؤتمر جنيف" عندما استبعدت عملية الانتقال السياسي، فانها ستواجه في "مؤتمر موسكو" الذي تعدّ له العقدة عينها، ذلك ان المعارضة السورية على مستوى الائتلاف تصرّ على ان تكون هناك روزنامة واضحة تضمن الانتقال السياسي، وهذه معضلة لن يتمكن سيرغي لافروف من تجاوزها.
في ٢٣ تشرين الأول من العام الماضي قدّمت مندوبة اميركا سامنتا باور عرضاً مثيراً امام مجلس الأمن، بدا كإدانة لسياسة الرئيس اوباما اكثر منها للرئيس الاسد، فقد حثّت المجتمع الدولي على "ان يستجمع العزم الجماعي لوقف الفظائع الوحشية لنظام الأسد، وكذلك الأهوال التي يرتكبها تنظيم "داعش" وإيجاد حل سياسي للنزاع"!
لست أدري ما معنى وما فاعلية "المجتمع الدولي"، وخصوصاً عندما تكون اميركا مستقيلة من الاهتمام بما يجري في سوريا من أهوال وصفتها باور بدقة، وكذلك عندما تكون روسيا راعية في شكل أو في آخر لهذه الأهوال على امتداد الأزمة التي تريد الآن حلّها، بعدما تمزقت سوريا وتمزقت المعارضة، وبات "داعش" يسيطر على مساحة مئة الف كيلومتر بين الموصل في العراق والرقّة في سوريا، وفي حين يبشّرنا الجنرال جون آلن منسق الائتلاف الدولي لمحاربة الإرهاب بأن تحرير الموصل وحدها يحتاج الى ثلاث سنوات!
اذاً لماذا لا تتفرج واشنطن على وهم الروس يغرقون في مستنقعات الدم التي ساهموا في خلقها، تماماً كما ساهمت هي طبعاً، وقد تعامت عن سقوط ما يقرب من ٣٠٠ ألف قتيل ومئات آلاف الجرحى وعن تشريد ما يقرب من عشرة ملايين وهو ما يجعل من سوريا أزمة القرن؟
وصل الادعاء بالمندوبة الاميركية يومذاك حد القول، نحن نعرف ما علينا القيام به، يجب علينا إيقاع الهزيمة بداعش وغيرها من الجماعات الارهابية، وعلينا محاسبة جميع من هم في نظام الأسد، عن الأعمال الوحشية التي ارتكبت على نطاق واسع. ولكن ما هي قيمة كل هذا الكلام عند الروس الذين يعملون مرة جديدة الآن لإسقاط عملية الانتقال السياسي التي تشكل المدخل الوحيد الى الحل؟
إذا كانت باور قد اعلنت يومها ان "الأسد فقد شرعيته منذ ثلاثة اعوام عندما ردّ على الاحتجاجات السلمية بالعنف الوحشي الذي لعب دوراً أساسياً في تحفيز ظهور داعش وغيرها من الجماعات الإرهابية"، فأن الأميركيين والروس يبقون شركاء أساسيين في هذه المأساة التي لن يجد مؤتمر موسكو حلاً لها!