لا يستطيع المواطن اللبناني، وحتى كبار السياسيين وأولئك الذين لا يعجبهم العجب، إلا أن ينظروا جميعهم بشيء من الإيجابية الى حال لبنان اليوم، مقارنة بالأوضاع السائدة في كل من سوريا والعراق واليمن وليبيا وسواها.

 

لقد جرت العادة على مرّ العهود والدهور والتجارب أن يكون لبنان هو البقرة الباركة في الأرض ومن حولها يتحلق السلاّخون، فيما دول الجوار والأبعد منها تعيش في رغدٍ وسعادة واستقرار.

 

إلا أنّ ذلك كله على أهميّته لا يلغي أسئلة القلق المتعدّد الاسم والنوع، وخصوصاً لجهة حكاية ابريق الزيت والمنصب الرئاسي الفارغ الذي يستعد لدخول شهره التاسع بكل همّة.

 

وبـ"فضل" عرقلات وعصي بعض "الغيارى" الذين لا حاجة إلى التذكير بأسمائهم و"تضحياتهم"، فهم اشهر من نار في غابة. وتأكيداً لغيرتهم الوطنجيّة التي بلغ صداها دنيا المَهاجر والانتشار، أعلن "الناطق" المدلَّل باسمهم أنهم سيعطّلون نصاب الجلسات الانتخابيّة إلى أبد الآبدين. ومَن لا يعجبه فليدقّ رأسه بالحائط.

 

وفي هذا الصدد، تحديداً، نقزت بيروت على مستوى المرجعيّات الوطنيّة والسياسيّة من عودة الموفد الفرنسي جان فرنسوا جيرو من طهران خالي الوفاض، ممتنعاً عن الإدلاء بأي تصريح أو توضيح. وفي مثل هذه الحالات يقول المثل: رجع المفاوض إيد من قِدّام وإيد من ورا. كأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا.

 

على رغم هذه النتيجة المخيّبة لآمال باريس وبيروت، فإن طهران لجأت إلى أساليب غسل الأيدي التي تجيدها عادة في مثل هذه الظروف والحالات. فأبلغت جيرو المصدوم أنه لا يمكنها الضغط على "حزب الله" وحليفه المعنيّ بالرئاسة ترشُّحاً وتطلُّعاً وتعطيلاً.. و"على اللبنانيّين أن يتّفقوا" في ما بينهم على ما يرونه مناسباً.

 

ولم يذكر الموفد الفرنسي ما إذا كان المسؤولون الإيرانيّون قد أضافوا أن هذا الأمر، أي الاستحقاق الرئاسي، هو شأن محض لبناني داخلي، ولا تسمح طهران لنفسها بالتدخُّل ابداً بتاتاً!

 

إنما قيل في هذا المجال إن مراجع لبنانيّة مسؤولة لاحظت تراجعاً في الموقف الإيراني، قد يكون عدم التقدّم في "المحادثات النوويّة" هو السبب الرئيسي غير المعلن.

 

إذا كان الموقف الإيراني قد لجأ إلى التصعيد غير المباشر كتدليل على عدم رضاه، فماذا سيكون الموقف بعد ضربة القنيطرة التي اعتبرت لبنانيّاً وإقليميّاً وعربيّاً "أخطر رسالة" في هذه الظروف الحرجة؟

 

ووجود كوادر من "حزب الله" بين الضحايا من شأنه أن يفتح باب الاحتمالات الخطيرة على مصراعيه. فهل يتلقّى الاستحقاق الرئاسي "هديّة" إضافيّة، وماذا جرى بين واشنطن وطهران في الكواليس؟ وما سرُّ هذه الرسالة الدمويّة؟ قد لا يكون الجواب معجلاً.

 

(الياس الديري)