الأهم أن ملف خبز اللبنانيين قد فتح على مصراعيه، من ألفه إلى يائه، وبمبادرة من وزارة الصحة، برغم أن هذه المهمة تقع أيضا في صلب صلاحيات وزارة الاقتصاد، حيث درجت العادة أن يأتي كشف دوري للوزير المعني، فيذيله تلقائيا بعبارة «على مسؤوليتي»، من دون أن يكون مدركا لكل ما يجري في هذا «العالم»!

فمؤسسة الأهراء ومنذ أن انتهت مدة «الامتياز» في العام 1990، باتت تدار من دون قانون، حالها حال إدارة مرفأ بيروت المؤقتة منذ التاريخ نفسه، وللموظفين، في الأهراء قصة قائمة بذاتها، بحكم «الأمر الواقع» وبغياب الهيكلية والتشريعات.

ويمكن القول أن ما كشفه وزير الصحة، بالأمس، يشكل فضيحة، فالبواخر التي تستورد القمح لمصلحة المطاحن، لا تضع دفتر شروط ومواصفات ولا أحد يستطيع الجزم بأنها صالحة للاستهلاك البشري، ناهيك عن شروط النظافة والتوضيب والتخزين في البواخر وبلد المنشأ.

وعندما تصل البواخر إلى لبنان، يتم نقل القمح إلى الأهراء بواسطة معدات غير مستوفية للشروط، ناهيك عن شروط التوضيب في أهراء تفتقد لشروط السلامة الغذائية، كونها مكشوفة إلى حد ما، ويمكن للطيور أن تقيم فيها بكل ما تحمله من أوبئة وأمراض وما ينتج عنها من أوساخ، فضلا عن أن محيط الأهراء غير مستوف للشروط الصحية بما يؤمن بيئة حاضنة للقوارض والحشرات، كما ان ثمة تجمعات للمياه الآسنة والمياه المبتذلة للأمطار.

وأظهر الكشف الذي قام به فريق من وزارة الصحة أن تفريغ وتحميل الحبوب في الشاحنات لا يستوفي أدنى مقومات النظافة والسلامة العامة، فضلا عن الوضع السيئ للشاحنات (بعضها ينقل المواشي أو مواد البناء وبعضها الآخر مصاب بالصدأ والاهتراء).

وكانت وزارة الاقتصاد قد حررت في العام 1991 استيراد القمح (وقف الدعم) واتخذ وزير الاقتصاد آنذاك ياسين جابر قرارا باحتفاظ الوزارة بمخزون دائم يكفي لمدة شهرين (تباع الكمية وتتجدد دوريا لضمان جودتها وسلامتها).

والأخطر من استيراد القمح وتفريغه وتخزينه ونقله وقضية الرقابة على المختبرات التي ترسل عينات اليها، هو عدم وجود رقابة على المطاحن، ثم الأفران، وقد اكتشفت فرق مصلحة حماية المستهلك أكثر من مرة أن عددا كبيرا من الأفران يتلاعب، ليس بالأوزان وحسب، بل أيضا بالطحين وباقي المكونات من خميرة ونوعية مياه (بعضها آسنة)، فضلا عن احتمال إدخال مواد حافظة غير مستوفية للشروط.

كما اكتشفت فرق وزارة الاقتصاد أن بعض الأفران تقوم بنقع كميات الخبز المرتجعة يوميا من المحلات (وخصوصا الكبرى) في براميل مياه وتعيد خبزها مجددا وتوزيعها على المحلات والدكاكين!

وحصلت «السفير» على الكتاب الذي وجهته وزارة الصحة الى وزارة الاقتصاد ويتضمن الآتي:

• توجيه كتاب الى شركتي النقل «القاعي» و»القيسي» بضرورة تسوية وضع الشاحنات من حيث الهيكل والنظافة وفرض الكشف الالزامي من قبل وزارة الصحة قبل الاستحصال على رخص النقل السنوية.

• توجيه كتاب الى إدارة مرفأ بيروت بضرورة القيام بأعمال الصيانة العاجلة لجهة ازالة جميع الاطارات والنفايات الموجودة في حرم المرفأ بشكل عام، وتلك الموجودة في حرم الأهراء بشكل خاص.

• تسوية وضع المجاري العامة المحيطة بالأهراء ومعالجة الوضع الخاص بالطيور الموجودة في حرم المرفأ نظرا الى الضرر الكبير الذي تسببه لنوعية الحبوب من حيث التلوث الجرثومي.

• الطلب من إدارة الأهراء ضرورة عزل منطقة تفريغ الحبوب (الحفرة المخصصة لذلك) وعزل المحيط بالطرق الفنية المناسبة والعمل على تأمين النظافة العامة وبشكل دائم.
خليل: فساد في الجمارك والأجهزة

من جهته، أعلن وزير المال علي حسن خليل أن بعض الأجهزة الأمنية يتواطأ في عمليات التهريب وقال ان هناك تهريبا وفسادا في مرفأ بيروت ومطارها، وأكد أن كل متورط في الجمارك والدوائر العقارية سيزج في السجن، مشيرا الى أن الدولة تخسر مئات ملايين الدولارات جراء الرشاوى والفساد والتهريب في الجمارك، وكشف أن السرقات في المشاعات تصل الى نحو 93 مليون دولار، جازما بأن كرة ثلج المشاعات تتدحرج ولن تتوقف.

وانتقد خليل سلوك بعض الوزراء في الحكومة، وقال: اننا عاجزون عن مناقشة عدد كبير من الأمور في مجلس الوزراء لأن كل وزير أصبح أكثر من ملك وأمير اليوم.

وأعلن أن وزارة المال أطلقت أول حركة تشكيلات لأمناء السجل في الدوائر العقارية، «وقد قمنا بتشكيلات في السجلات العقارية منذ 6 اشهر كي لا يبقى أحد في مركزه ويعتبره مركز قوة، كما اكتشفنا مثل كل اللبنانيين ان في الدوائر العقارية رشاوى مقنعة وفوضى تسمح للبعض بمواقعهم ممارسة دور تعسفي بحق المواطنين».

واعلن عن تشكيلات ستصدر الاثنين تشمل معظم الموظفين بكل مستوياتهم في الدوائر العقارية كافة، ونصح بعدم حصول مراجعات سياسية في ملف اي موظف فاسد، واوضح انه «في المساحة والعقارية في كل المناطق سنقوم بحملات لتنظيم الدوائر والأمر لن يتوقف وسيطال الكل، وحتى لو كان من اقرب المقربين لحركة أمل ولي شخصيا».
وأضاف: «استدعينا 60 موظفا الى وزارة المال اعترف 45 منهم على الاقل بانهم كانوا يتقاضون رشاوى وتعهدوا بالكف عن هذه المخالفة القانونية».

السفير