من غرائب السياسة في لبنان ان بعض الساسة يسمحون لأنفسهم من دون اي رادع، بالمسارعة الى انتقاد حوار لم يبدأ، ويحكمون على نتائجه قبل معرفتها، ويحاولون عرقلته بكل الوسائل ويستحضرون مواقف لطرفيه، وكل على طريقته ووفق انتمائه وولائه، وقد فات هؤلاء ان الحوار يكون عادة بين مختلفين لا بين متفقين... تلك "الغرائب" اصابت الحوار المزمع اجراؤه بين "حزب الله" و"تيار المستقبل" والذي يجري التحضير له "بهدوء وجدية" كما تقول مصادر مواكبة للتحضيرات، وكان من ضمنها امس لقاء بين ممثل رئيس مجلس النواب نبيه بري، الوزير علي حسن خليل، ومدير مكتب الرئيس سعد الحريري، نادر الحريري، مع الاشارة الى ان خليل يتحرك بين ممثل الحريري وممثل الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، حسين الخليل، في اطار البحث في آلية الحوار ومن ضمنها جدول الأعمال. وثمة عنوانان كبيران متفق عليهما، الاول يتعلق بالتهدئة واراحة الوضع على مستوى الخطاب السياسي مما يساهم في تراجع المناخ الطائفي – المذهبي الضاغط على البلاد نتيجة تطورات معظمها خارجي وتداعياتها محلية وتحريضية بين المسلمين السنة والشيعة. واما العنوان الثاني فهو: "السبل الكفيلة بالخروج من الأزمة السياسية الحالية". واذا كان العنوان الاول يختصر بمحاصرة التحريض المذهبي، فإن الثاني يختصر بخطوة أولى هي انتخاب رئيس للجمهورية في اقرب وقت ممكن. وتلفت مصادر مواكبة للاتصالات الجارية، وقريبة من "تيار المستقبل" الى انه "حتى الآن لم يتفق على موعد الجلسة الاولى للحوار ولا على مكان انعقادها، مستبعدة ان يكون ذلك قبل نهاية الشهر الجاري، ومرجحة ان يكون موعد تلك الجلسة مطلع الشهر المقبل. واذ تلفت هذه المصادر الى ان "مجرد الحديث عن بدء الحوار ساهم في اشاعة اجواء ايجابية في البلاد"، وان "أهم ما في الحوار هو الاحتكام اليه"، فإنها تؤكد الهدوء وعدم التسرع بما يكفل الوصول الى نتائج ايجابية، ثم تطرح سؤالا مهما هو: "من يضمن تنفيذ ما يمكن ان يتفق عليه؟". السؤال لافت ويؤدي الى سؤال آخر هو: هل تكفي "رعاية" بري ورئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط؟

وفي المقلب الآخر حوار من نوع آخر، ينطلق من الحديث عن مشروع حوار بين "التيار الوطني الحر" و"حزب القوات اللبنانية"، وتحديدا بين رئيسيهما، المرشحين الرئاسيين، ميشال عون وسمير جعجع، وهذا الحديث لا يزال مقتصرا على "إعلان النيات" بكل ما فيها من حسابات رئاسية ومناورات سياسية.
وفي هذا الاطار يقول الوزير السابق وديع الخازن الذي جال على الطرفين برعاية بطريركية مارونية، وبصفته رئيسا للمجلس العام الماروني، ان جعجع ابدى رغبة في لقاء عون "بهدف التفاهم على خطوات عملية تؤدي الى وضع حد للشغور في موقع رئيس الجمهورية، واجراء الانتخابات الرئاسية في اسرع وقت ممكن"، وقد سارع الخازن الى نقل تلك الرغبة الى عون الذي "ابدى رغبة مماثلة" كما يؤكد، مضيفا ان دوره انتهى هنا، ومعتبرا انه كُلّف القيام بمهمة (من جعجع) ونجح فيها، وان "مجرد ابداء الطرفين الاستعداد للقاء والتحاور، يعتبر نجاحا، وان الكرة الآن عند الطرفين".
وليس سرا حجم الحساسية التي تظلل اي تحرك في هذا الصدد، ولا سيما من العماد عون الذي، وإن يكن قد أبدى استعدادا لعقد لقاء حواري مع جعجع حول رئاسة الجمهورية، فإنه، حتى الآن، لم يتزحزح قيد أنملة عن تمسكه بالترشح شخصيا لرئاسة الجمهورية، وأن كل حديث عن "مرشح توافقي" لا يعنيه من قريب ولا من بعيد، وان "المطلوب رئيس قوي" وهو يعتبر نفسه الأقوى... وثمة من يقول انها الفرصة الاخيرة لـ"الجنرال" الذي ناهز الثمانين من العمر – أطال الله عمره والاعمار بيد الله – من هنا تلك الحساسية المشار اليها، وقد أدت قبل ايام الى ابداء العتب على "الحلفاء" بعد التوجس من لقاء ذي صلة بانتخابات الرئاسة... ولا سيما ان كل كلام على مرشح توافقي يعتبره عون موجها ضده شخصيا. وفي ظل هذا الواقع يبدو واضحا ان اللقاء بين عون وجعجع مستبعد في المدى المنظور، فكل منهما في اتجاه معاكس للآخر: عون متمسّك بالترشّح شخصيا، وجعجع مستعد للانسحاب "لمصلحة مرشح توافقي" كما أكد تكرارا.
وعلى الرغم من وجود تباعد في المواقف في عناوين وملفات كثيرة سواء بين "حزب الله" و"المستقبل" أو بين "التيار الوطني الحر" وحزب "القوات اللبنانية"، فإن مجرد استعداد كل منهم للجلوس حول طاولة الحوار هو "دليل عافية"، وفق مرجع سياسي يسأل:
هل اكتشف "كبار القوم" أن لا أحد في إمكانه إلغاء الآخر، وأن لغة الحوار لا القوة هي السبيل الوحيد لحل أي أزمة مهما كبرت؟