قبل أيام قليلة فتحت "الوطن" ملف فساد "حزب الله" المالي الذي تورط فيه منذ سنوات. لكنه توجه خلال الفترة الأخيرة إلى ممارسة أعمال غير شرعية، مثل الاتجار في السلاح والمخدرات، لمواجهة أزمته المالية، الناجمة عن خسائره الجمة في الحرب السورية.

إذًا هو يحتاج إلى المال للإنفاق على السلاح والعدة والعتاد، مضافاً إليها مصاريفه الاعتيادية الثابتة في الداخل والخارج اللبناني، وبالتالي لا يستطيع القيام بهذا كله معتمداً على مصادر تمويله الإيرانية، أو استثماراته التجارية الطبيعية، فلا بد أن يعمد إلى سبل "ملتوية" لتأمين ذلك الحجم من الإنفاق المالي الضخم المترتب عليه. وهذا يعني دخول "حزب الله" في عالم الفساد المالي من بابه العريض.

  عند الجلوس إلى مجموعة من الناس في ضاحية بيروت الجنوبية دون التعريف بنفسك بأنك من مؤيدي فريق الرابع عشر من آذار، أو على أقل تقدير من المناهضين لسياسة "حزب الله"، ستسمع سيلاً من الانتقادات لما يفعله قادة "المقاومة"، التي ورطت لبنان في حرب لا طائل منها، وصولاً إلى الفساد الذي يعشش في كل مستويات قيادة "حزب الله"، باستثناء أمينه العام حسن نصر الله، الذي بات في الآونة الأخيرة يعتمد سياسة "الاعتراف بالحق فضيلة"، للالتفاف أمام الرأي العام على فضائح الفساد المالية بين كوادر الحزب، أو عمالة بعضها للإسرائيليين.  

  أبناء وأشقاء الفساد   في ملف الفساد تحديداً حدث ولا حرج، بدءاً من تجاوزات صلاح عزالدين المالية، مروراً بالاتجار بالكبتاجون، وصولاً إلى فضيحة الأدوية المزورة لشقيق الوزير محمد فنيش.  

اللافت للنظر في كل قضايا فساد "حزب الله" أن مرتكبيها إما أشقاء أو أبناء مسؤولين كبار في الحزب، حصلوا على غطاء مباشر أو غير مباشر منهم لممارسة تجاوزاتهم المالية.

  وهنا جرد حساب لبعض الأسماء التي شكلت رافعة فساد "حزب الله" المالي:  

  أولاً: شقيق النائب حسين الموسوي الذي يعتبر أهم مصنّع ومصدّر لمادة الكبتاجون المخدرة في لبنان.  

ثانياً: نجل مسؤول القضاء في "حزب الله" الشيخ حسين كوراني، الذي يعتبر من أهم تجار المخدرات في ضاحية بيروت الجنوبية الواقعة تحت نفوذ "حزب الله".  

ثالثاً: شقيق النائب علي عمار الذي يحصل على إتاوات من الناس رغماً عنهم في بعض مناطق ضاحية بيروت الجنوبية.

  رابعاً: يتحكم شقيق مصطفى بدرالدين أحد المتهمين الأربعة باغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري، في اللوحات الإعلانية في ضاحية بيروت الجنوبية، حيث يفرض على المعلنين الأسعار التي يريدها. خامساً: لم يتوان أبناء رئيس الهيئة الشرعية في "حزب الله" الشيخ محمد يزبك عن الاتجار في المخدرات وبيع السلاح للجيش السوري الحر.

    ورقة الإجرام المالي في هذا السياق يقول النائب السابق في البرلمان اللبناني والقيادي في "تيار المستقبل" مصطفى علوش إن "حزب الله يمارس أموراً غير أخلاقية ولا شرعية، بدءًا من تبييض الأموال، وصولاً إلى تهريب المخدرات والتهرب من دفع الضرائب والجمارك، حتى بات ذلك أمراً عادياً ومستمراً منذ سنوات طويلة".    

والغريب بحسب علوش أن "لديهم تبريرات أخلاقية ثورية لهذا الفساد مبنية على نصوص للولي الفقيه. والآن زادت الأمور تعقيداً بسبب الوضع المالي الإيراني الصعب الناجم عن الحظر والحصار اللذين تتعرض لهما، مضافاً إليهما الكلفة المالية الهائلة المترتبة عليها جراء دعمها للنظام السوري.

كذلك تأثر حزب الله ماليا بسبب غياب أي تغطية من النظام العراقي بعد حربه مع داعش.

وهذا كله دفع حزب الله إلى استعمال ورقة الإجرام المالي من أجل تمويل حربه في سورية وأنشطته في لبنان".  

"بلطجة" في المطار على خط آخر، يتذكر اللبنانيون جميعاً ما حدث مع قناة "الجديد" عندما حاول الزميل رياض قبيسي عمل تحقيق عن التجاوزات المالية في الجمارك اللبنانية. فقد تم ضرب رياض في الشارع، لمنعه من التصوير، وكشف حجم المخالفات في كل من مرفأ بيروت ومطار رفيق الحريري الدولي، اللذين يسيطر عليهما "حزب الله" بشكل كلي، حتى إن الأخير لم يتردد في اجتياح بيروت، فيما عرف بأحداث السابع من أيار لمنع الدولة اللبنانية من وضع يدها على المطار، بحجة الحفاظ على شبكة اتصالات المقاومة.  

حزب الله: نعم للحشيش مناطق البقاع التي يضع "حزب الله" يده عليها تشتهر بزراعة الحشيش. وتعتبر ضمن نطاق البيئة الحاضنة والمؤيدة بشدة لـ"حزب الله"، مما يعني أنه يوافق ضمناً على عمليات الاتجار بالحشيش، ونقل وتهريب المخدرات، أو يشارك مباشرة في الاتجار وتسهيل الأمور اللوجستية. ويعلق مصطفى علوش على هذا قائلاً:

"ستتعرض الدولة اللبنانية جراء هذا الواقع إلى عقوبات مالية، بسبب الرقابة العالمية على زراعة الحشيش والمخدرات الممنوعة في كل الدول. وأؤكد هنا أن الفساد المالي موجود في حزب الله، حتى إن ثروات وزرائه ونوابه الحاليين أكبر بكثير من الدخل الذي يعتمدون عليه، وبالتالي لا يستطيع حسن نصر الله منع الفساد في الوقت الراهن، في ظل الوضع الصعب الذي يمر به حزب الله". سرقة علنية ليس ذلك فقط، بل تحدث إلى "الوطن" شهود عيان من العاملين في مطار رفيق الحريري الدولي عن ارتكاب تجاوزات من قبل متنفذين في "حزب الله" لتمرير بضائع مجهولة من وإلى خارج لبنان، بمعرفة الدولة اللبنانية العاجزة عن التصدي لسلوكيات "حزب الله".

هذا عدا عن ترك "حزب الله" لبعض محازبيهم بممارسة السرقة في الإدارات العامة والوزارات والبلديات، والاستيلاء على الهبات التي تخصصها الدول المانحة للجنوب وضاحية بيروت الجنوبية.   المقاومة "فاسدة" وهنا يقول مصدر لـ"الوطن"، رفض الكشف عن اسمه، إن "الأعباء المالية المتضاعفة على حزب الله والتكاليف الباهظة لحربه في سورية كشفت أزمته المادية.

لم يعد يقدم المساعدات بالشكل اللازم لمحازبيه ومؤيديه، مما دفعه إلى غض النظر عن ممارسات الفساد في بيئته الحاضنة. مثلاً لماذا ظهرت عمليات الخطف المرتبطة بدفع فدية مالية كبيرة في مناطق بعلبك والبقاع، بعد انخراط حزب الله في الحرب السورية، هل يسمح حزب الله لهذه المجموعات المؤيدة له أو على الأقل غير المناهضة له بتصرفات غير قانوينة، تحت شعار "تصرفوا لأننا لا نستطيع إعطاءكم شيئا"، هذا عدا عن اعتماده على قوته العسكرية الهائلة في الداخل اللبناني للاستيلاء على أموال البلديات والأراضي بطريقة غير قانونية".  

إلا أن المصدر نفى أن يكون "حزب الله" يعتمد على هذا الفساد المالي كبديل عن تراجع التمويل الإيراني.

ويشرح قائلاً: "قد يعتمد حزب الله على أموال الفساد المالي بنسبة 20%.

إلا أنها لا تكفي للإيفاء بميزانية السلاح الضخمة المقدرة بمئات الملايين من الدولارات.

أعتقد أن مسألة الفساد المالي في حزب الله جزء من عملية الفساد الساري في البلد.

وهو ما لا تستطيع قيادة الحزب التحكم بمساراته حتى لو أرادت ذلك، لأنه بات جزءاً لا يتجزأ من سلوك شخصي في كوادره، التي تمارس صفقات مختلفة، معتمدة على غطاء سياسي من قادة في حزب الله.

وهذا ما يمكن لأي شخص أن يسمعه عند الجلوس إلى أفراد من البيئة الحاضنة لحزب الله، الذين تأكدوا من تورطه في ملفات الفساد بعد سنوات طويلة رفع فيها راية المقاومة".

  تطهير حزب الله بناء على أخبار صحفية تحدثت عن ضلوع بعض كوادر "حزب الله" في عمليات مالية مشبوهة، أعلن الأمين العام للحزب حسن نصر الله عن متابعته لنتائج التحقيقات التي باشرها، بشأن اجتثاث حالات الفساد التي انتشرت على امتداد المرحلة الماضية في جسم الحزب.

وكما يقول بعض قادة الحزب: "تمت الاستعانة بكوادر أحيلت على التقاعد بعد أن دارت الشكوك حول كثير من المسؤولين بشأن تورطهم في قضايا فساد، وأهمها الاستيلاء على تعويضات حرب تموز. وذلك لاستعادة ثقة الشارع الشيعي بالحزب بعد أن خطفت قضايا الفساد التي تورط فيها أكثر من مسؤول حزبي صورته المثالية على مدى سنوات".

وأرجع القيادي في حزب الله لـ"الوطن" سبب انتشار الفساد في "حزب الله" إلى "النتائج الكارثية الناجمة عن الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006، وصولاً إلى الصراع السياسي، وتردي الأوضاع الأمنية، واندلاع الحرب في سورية. لذلك أنشأ حزب الله ورشة إصلاحية في البقاع والجنوب وضاحية بيروت الجنوبية وجبيل من أجل استئصال الفساد".

  50 % فساد إلا أن النائب السابق مصطفى علوش يرى أن هذه الإجراءات المواجهة للفساد التي أعلن عنها "حزب الله"، "للاستهلاك الإعلامي. لم نسمع عن إجراء اتخذ بحق من اتهموا أو اكتشفوا أو أدينوا في عمليات فساد. يمارس حزب الله الفساد بشكل مستمر.

ولا داعي للقول إنه يفعل ذلك الآن لتمويل حربه في سورية. هذا غير صحيح.

إلا أن الفرق هو ارتفاع نسبة الفساد وعمليات تبييض الأموال والتهرب من الضرائب والجمارك بعد الحرب السورية من 20% إلى أكثر من 50%.

وأجزم بأن حزب الله سيضطر للمغامرة وخوض عمليات أكبر وأخطر لمواجهة ضائقته المالية، مما قد يعرضه للفضيحة ويضعه في موقف محرج أمام جمهوره.

لكن لا بديل أمامه بسبب إصراره على الانتحار عسكريا في سورية".  

(الوطن السعودية)