أمست مسرحية الأمن الغذائي في لبنان وجبة سريعة للجائعين الاعلاميين وللمستهلكين اليوميّن لسموم السياسة ومسألة لاعادة النظر في الوعي الاجتماعي لدى النُخب والعامّة على حدّ سواء بعد ما تبيّن سخافة الثقافة الصحيّة عند المواطن اللبناني عندما تفاجأ بفساد الماء والغذاء وبحجم الأزمة  الصحية والناتجة عن هذا الفساد.

لا أعرف من أين حصّل اللبناني أحساسه بصحيّة مآكله ومشربه في بلد لا تتوفر فيه سُبل السلامة العامة من مراقبة الدولة للسلعة الاستهلاكيّة سواء أكانت مستوردة من الخارج أو مصنعة في لبنان الى أخلاقيّة التاجر المعدومة في سوق لا يحمي المستهلكين من جرائم أبشع بكثير من جرائم الحروب .

حسناً فعل أبو فاعور عندما أضاء على فساد ما نأكل ولكن من منا لا يعرف الفساد المضاعف في الغذاء ؟واذا كانت السلطة فاسدة فما هو حال السلطات الأخرى ؟ بتقديري أن اللبنانيين يعرفون تماماً كل ما قيل عن فساد الغذاء في البر والبحر وما كسبت أيادي التجّار والكل يعلم أن أنهارنا ملوثة وأن مسالخنا غير خاضعة لشروط الصحة وأن الملاحم "مذابل" حقيقة وأن المزارع تُطعم فراخ الدجاج أعلاف عضوية مضرّة بالبشر وأن الأفران والمطابخ مستودعات للجراثيم على أنواعها وأن كل ما يُنتج ويصنع في لبنان غير خاضع للمواصفات الصحية لأن الرقابيتن معدومتين من قبل أصحاب القانون وأصحاب الضمير .

ميزة اللبنانيين أنهم يمتهنون متعة التسوق فهم أعرف من المسؤولين بفساد السلع المستهلكة فالوزير لا يقصد فُرناً لشراء المعجنات ولا مسلخاً لشراء اللحومات ولا مزرعة ولا تعاونية لأن المرافقين له يوفرون له الاحتياجات المطلوبة وبالتالي فاللبناني زبون يومي ودائم في الأمكنة المغرقة بالفساد الغذائي وهو يعلم طبيعة ما يأكل ويحدث يوميّاً عن مطابخ المطاعم الوسخة وعدم خضوعها للمراقبة الصحية ومع ذلك لا يأكل الا في المطاعم ويحدث عن البقر والجزّارين واللحم المستورد وعن الأسماك الغير صالحة للحيوانات ومع ذلك يحتشد كل صباح في أكواخ اللحوم ويشتري الأسماك الفاسدة وهكذا دواليك في كل شيء من الماء الملوث الى الطحين مرتع الصراصير الى الخضار التي تسقى بمياه المجارير .

لم يكشف الوزير المختص عن سر مستور فكل لبناني يعلم مسبقاُ عن فساد غذائه من الفجلة الى اللحمة وتأكيداً على ذلك لم يتخذ اللبنانيّون أيّ اجراء للتعبير عن صدمتهم من حقيقة ما كشف الوزير من فساد غذائي فعجقة الناس على اللحوم والخضار والمياه قد زادت ولم يتخذ المواطن أي تدبير لحماية صحته من سرطان الغذاء اللبناني .

اذاُ اللبنانيّون يعلمون مسبقاً فساد الغذاء في لبنان كم يعلمه المسؤولون ولكن صرخة الوزير دون اتخاذ تدابير أمنية للغذاء لن تغيّر شيئًا على الاطلاق لأن الناس لن تمتنع عن شرب الماء ولا عن أكل الخضار واللحوم لأنها أدوات استمرار الانسان في ظل غياب تام للأطعمة الصحيّة.

غداً سيتصالح الجميع مع الفساد الغذائي تماماً كما يتعايشون مع الفساد السياسي والأمني والاقتصادي فالحديث عن الفساد لا يكفي لأنه ماركة مسجلة في السجلات اللبنانيّة منذ زمن وعاث فساده في أمعاء اللبنانيين منذ اختفاء الدولة في لبنان .