أراد "حزب الله" أن يشعر جمهوره بالانتصار بعد اتمامه عملية تبادل أفضت إلى عودة عماد عياد إلى عائلته. ولم يقتصر الأمر على بيان أو تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، بل تعمّد اقامة احتفال حاشد لاستقبال عياد توجيه رسائل عدة إلى جمهوره وعناصره في الجرود، والحكومة والرأي العام اللبناني.   في التحليل، لا يمكن مقارنة ما قام به "حزب الله" في قضية العسكريين المخطوفين. وعلى رغم ان الحدث يفرض ربط الملفين ومقارنتهما، إلا أن السبب الرئيسي لنجاح عملية التبادل أن الطرف الآخر هو "الجيش السوري الحر" وليس تنظيمات ارهابية كـ "جبهة النصرة" أو "الدولة الاسلامية"، إضافة الى أن "حزب الله" كان يكافح من اجل اطلاق سراح أسير واحد وليس أكثر من 24 عسكرياً، ومن المفارقات أيضاً أن الحزب اعتمد اسلوب التكتم الشديد ازاء الملف كما سارع أهل عياد إلى إعلان مقتل ابنهم عندما اعتبر والده ان عماد بات شهيداً، وأخيراً ما ساعد الحزب أن لديه رأساً واحداً في التعاطي وليس متعدد الرؤوس كالحكومة الحالية.   في المؤشرات، كان واضحاً أن "حزب الله" الذي نفذ عمليات تبادل عدة منذ بداية الثورة مقابل استعادة عناصره أو جثث، تعمد تضخيم الحدث اعلامياً، ليثبت انه ليس ضد مبدا المقايضة، مظهراً أن ما قبل خطاب الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله الذي نفى فيه رفض مبدأ المقايضة بختلف عما بعده، إذ كان النائب محمد رعد سبق واعلن في 6 ايلول رفض مبدأ المقايضة أو المبادلة في قضية العسكريين. لا شك أن العملية جاءت كاضافة للجيش الحر من دون ان يدري الطرفان ذلك، مقارنة مع مطالب "النصرة" و"داعش"، كما انها أحرجت التنظيمين اللذين يطالبان بخمسة موقوفين مقابل كل عسكري فيما "الجيش الحر" اطلق كنزه الثمين (حزب الله وشيعي) مقابل اثنين من قادته كانا لدى الحزب. وفي الوقت نفسه، أشعل "حزب الله" شعور الأسف لدى أهالي العسكريين واستفزهم في شكل غير مباشر بالعلانية المفرطة التي تعمدها، كما انه اثار غيظ اللبنانيين الذين يقاتلون في سوريا وارادوا العودة إلى لبنان ولا يمكنهم ذلك خوفاً من توقفيهم فيما مقاتل "حزب الله" يستقبل بالورود والاحتفالات. وجاءت عملية التبادل في وقت كان الحزب يتلقى ضربات مؤلمة في الجرود كان آخرها في فليطة وقبلها في بريتال، فجاء عياد ليشد عصب عناصره في الجرود وجمهوره الذي كان يستقبل يومياً التوابيت وهي المرة الأولى التي يستقبل فيها عنصراً على قيد الحياة.       الرفاعي لا يزال موقوفاً بيان "حزب الله" المقتضب أبقى دائرة التساؤلات مفتوحة عن تفاصيل العملية وكيفية حصولها، وعن أي علاقة بينها وبين قرار إخلاء سبيل العقيد المنشق عبدالله الرفاعي قائد "تجمع القلمون الغربي" الذي أسر عياد، لكن المحامي طارق شندب أكد لـ"النهار" أن "الرفاعي ورغم صدور قرار تركه لا يزال محتجزاً لدى الأمن العام"، مستغرباً هذا الفعل في ظل وجود القرار القضائي الذي يقضي بتركه حرا في لبنان، ويقول: "حاولنا أكثر من مرة الاستفسار عن سبب التوقيف فلم نحصل على إجابة، علماً أن لا حكم قضائياً عليه ولا شيء يستدعي توقيفه". العمدة بادل مقابل عائلته وفي المعطيات، فإن رسالة مسجلة عبر "واتس آب" تداولها ناشطون سوريون في القلمون، لأحد قادة تجمع القلمون الغربي ومعروف باسم العمدة، يقول فيها ان العملية تمّت عبر وسيط من اجل مبادلة عائلته (نساء واطفال) مقابل عياد، والتبادل جرى في عسال الورد ولا علاقة لـ"جبهة النصرة" بما جرى، لافتاً إلى ان العملية جرت بتطويق الطرفين المكان وحصول التسليم في الوسط"، بعدما أقدم الحزب على ازالة الألغام للوصول إلى المكان المتفق عليه، ويقول انه في نهاية التبادل أعطى الحزب التجمع اثنين من "الجيش الحر" قالوا انهما كحسن نية، وان الأخير كان قدم خمسة اسماء للحصول عليهم ووعد الحزب بتسليمهم في مرحلة لاحقة.   اعتراف بـ"الحر" وتعليقا على عملية التحرير يقول النائب مصطفى علوش لـ"النهار": "من المؤكد ان حزب الله في الوقت الذي كان فيه يعيق بطريقة او بأخرى مسألة التفاوض على العسكريين لم يكن لديه مشكلة للتفاوض مع اي جهة، وما قام به يؤكد أكثر فاكثر انه جسم منفصل عن الواقع اللبناني وعن الدولة والناس"، معتبراً أن "التضخيم الاعلامي اراد منه الحزب اظهار أن الحكومة فاشلة وانه الناجح". وأضاف: "العملية اثبتت ان الجيش الحر جسم يمكن التفاوض معه وهو اعتراف غير مباشر من "حزب الله" بذلك".   وجهة نظر "حزب الله" الدكتور وسيم بزي لـ"النهار" ربط تحرير عياد بخطاب السيد نصر الله الذي نفى فيه أن الحزب ضد المقايضة، وتحدث حينها عن القواعد التي يجب أن تعتمد في عمليات التفاوض، ويقول: "ما حصل يرسل إشارة واضحة بأن الحزب ليس لديه، رغم كل التشهير، اي عقدة مع مبدأ التبادل". سألنا بزي عن تصريح رعد المتداول عبر الاعلام والرافض للمقايضة، فأجاب: "لم اراه، لكن في حال كان موجوداً فيكون جاء حينها كرد بالسياسة على الطريقة التي يتم فيها تناول المسألة، وجاء في اطار التجاذب السياسي وليس موقفاً من القضية عينها". ولا يخفي أن "حزب الله" نفذ عشرات عمليات التبادل في سوريا، ومنها ما هو مع "جبهة النصرة"، معتبراً أن "هناك فضائح في قضية المخطوفين العسكريين، أولها غياب الرأي الواحد من القضية، ثانيها غياب شخصية فعلية مكلفة حصرياً بالملف ولديها الهامش والظروف والادارة مثل ما حصل في ملفي أعزاز والراهبات، ثالثها دخول العنصر السياسي بقوة إلى هذا الملف، فضلاً عن ان دولتنا اخضعت نفسها الى مجموعة من عوامل الابتزاز". وفي رأيه، فإن "حزب الله أثبت أنه يحترم حياة أسراه"، مذكراً بمفارقة بين الملفين ان "الخاطفين اتصلوا بوالد عياد من رقم الاخير، فرد عليهم بأن ابنه استشهد وانه سيقيم له العزاء في اليوم التالي وعاد واغلق خطه"، رافضاً القول ان الحزب استفز الاهالي، فـ "ظروفهم صعبة ويتم التلاعب بعواطفهم لكن هناك خلل من اللحظة الاولى اوصل إلى هنا".     بقلم: محمد نمر