حدَّثني صديقي المبلِّغ الديني في موسم من مواسم شهر محرَّم الحرام، عن رحلته التبليغية إلى بلاد الكفر والإلحاد...بينما كنَّا في إحدى الجنائن - الذي لا يسعك إلا أن تشكر خالقها وصانعها- وعند إنتهائنا من أكل شواء اللحم ، وقمنا بجمع النفايات لرميها في القُمامة..صاحبي بدأ يلتفت يميناً ويساراً ، محاولاً أن يرميها في الحديقة ، بدلاً من سلَّة المهملات..لحظات توقفت سيارة الشرطة جانب الطريق ، وترجَّل منها واحد ، حينها أدرك صاحبي ووضع يده على بطنه موهماً الشرطي بأنه مريض وأخذ يئنُّ ويتألم..هنا إقترب الشرطي قائلاً له لا تأتي بأي حركة وحالاً اتصل بالمسعفيين ، ما هي إلا دقائق حتى ظهرت في الجو طائرة "هلكوبتر" وحطَّت بقربنا - وكما هو المعتاد هنا طاقم مختص بالمسعفيين – وطارت به في الجو لتحطَّ في المشفى ، وكانت الصدفة أنَّ صاحبي فعلاً كانت تنتابه نوبة قلبية وأجريت له عملية قلب وهو في صحة جيدة...بينما كان صديقي  يسرد القصة صرتُ أفكر في وطني الذي هو أضيق من ظلِّ رمحٍ ، تهمة وطنٍ ودمية ، شوكاً مُوجِعاً ومُوَجَّعاً ، وطنٌ يتسلَّل بين رشقاتٍ وطلقاتٍ ، وبين مدافعٍ وصواريخٍ ، وبين فتنةٍ وأخرى ، وبين نوايا حسنة ونوايا خبيثة ، وبين كراماتٍ تتعربش على الأعمدة وتعبّد الأرصفة ، وطنٌ يتلطَّى بين العيش والذُل ، وبين الجيش والمليشيا ، وبين الدولة والمزرعة ، وبين كرامة الإنسان وإذلاله ، وبين الأمة والدكاكين ، وطن الملتزمين والمهندسين وأصحاب الدولة ، والمثقفين والأكواع والجهل ، قيادات وطني تزدادُ مجداً كلما ازداد الناس ذُلاً ، وتزداد زعاماته الروحيين والزمنيين استقراراً كلما ازداد الناس قلقاً واضطراباً ، وتزداد مالاً وجاهً كلما ازداد الناس فقراً وبؤساً....المأساة لا تنتهي ، وتذكرتُ يا صديقي قصة - الجمل الفارسي - عندما سأل رجلٌ من إصفهان صاحبه قائلاً : مسألةٌ يا صاحبي تشغلُ بالي ، فهل أرحتني منها ؟ قال: ما ؟ قال السائل: أُذّنَا الجمل ؟ قال: ما لهما ؟ قال الأول: هما صغيرتان بالنسبة إلى رأسه ، فكيف ؟ قال الآخر: يا أخا الثلج ، ألم ترَ في الجمل غير هذا النشاز؟ ألا رأيت إلى رأسه الصغير على جسمه الكبير؟ ألا رأيت إلى عنقه الطويل وذنبه الصغير ؟ إلى غلاظة مشفريه ؟ إلى غلظة بطنه ورقة ظهره ؟ إلى هذا النابت في ظهره ...؟ إلى جعجعة صوته ؟.. إليه وهو يتبعَّر بالعرض ؟.. إليه وهو يتبوَّل من الخلف؟ ألم ترَ فيه غير صغر الأذنين إلى الرأس.......قل هو أعجوبة...والسلام...

 الشيخ عباس حايك