رفض محمد جواد ظريف ربطة العنق الأميركيّة، أصرّ على التقاليد التي جاءت بها الثورة الإسلاميّة، لكنه أبقى اليد ممدودة، وردّ «صديقه اللدود» جون كيري بالقول: «إيران لا تتجاوب بسهولة، لكن لا يمكننا العودة الى الوراء؟!».

مهم جدّاً معرفة حقيقة ما جرى في فيينا، بعد صولات وجولات واجتماعات وكولسات، ربما تكشف الأيام عن الكثير من الحقائق والوقائع، لكنّ الأهم أنّ المجموعة الدوليّة (5+1) قد ضبطت ساعتها وفق التوقيت الإيراني، كانت طهران المحور في القبول والرفض، كانت فرداً مقابل مجموعة، كانت عنصراً مشوّقاً استقطب وزراء خارجية الدول الخمس الكبرى، بالإضافة الى المانيا وبعض دول الخليج، وفرض عليهم ممارسة سياحة دبلوماسيّة ما بين مسقط، وموسكو، ولندن، وباريس، وبروكسل قبل التوغّل في كواليس المفاوضات الصعبة في العاصمة النمساويّة، وهذا ليس بالقليل؟!.   القرار التنفيذي الوحيد الذي اتخذ قضى بعودة الجميع الى مسرح الشرق الأوسط. البرنامج النووي له آليّاته التفاوضيّة الطويلة والمعقّدة. رفع العقوبات له منهجيته وتراتبيته العملانيّة، «وبقدر ما تتجاوبون، نتجاوب؟!». بقيت الزوايا الحادة في الشرق الأوسط، وكيفيّة التعاون على تدويرها. لا تريد السعوديّة أن تصبح قم «سيف الإسلام» في محاربة «داعش».   إنها «الأولى بالمعروف» وقد شاركت في التحالف الدولي على هذا الأساس. الدفاع عن الدين الحنيف، وتجنيبه من الغلو والتطرف أولويّة سعوديّة - مصريّة - أزهريّة لا تتقدم عليها أيّ أولويّة أخرى، وبناء على ما تقدّم فإنّ إيران يجب أن تكون مُلحقة بالركب، لا في موقع القيادة؟!.   الحرب على «داعش»، حرب على تقرير مصير ومستقبل دول المنطقة من اليمن، الى العراق، فسوريا، فلبنان، وصولاً الى الخليج، ومنه الى دول المغرب العربي. إستقال وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل، أو أقيل، ودفع بإقالته ضريبة التباين في المواقف ما بين السعوديّة والإرادة الأميركيّة.   قدّم الرئيس باراك أوباما تبريراً مُنمّقاً، ما حصل نتيجة خلاف في وجهات النظر حول استراتيجيّة محاربة «داعش». المسألة أبعد من «داعش»، إنها مرتبطة بالصراع حول الشرق الأوسط الجديد، ودور كلّ من إيران، وتركيا، وإسرائيل في تأمين استقراره، وتوازنه، وهذا ما يقلق السعوديّة، واستتباعاً مصر.   العقوبات التي اتخذت بحقّ الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، واثنين من القادة الحوثيّين، لم تغيّر كثيراً في المشهد اليمني، كونها جاءت متأخرة جدّاً، ومنفصلة تماماً عن أيّ استراتيجيّة واضحة، والدليل أنّ الفوضى اليمنيّة ما زالت ديارها عامرة على أبواب السعوديّة من جهة، وباب المندب من جهة أخرى. يسأل السعوديّون: لماذا سمح هاغل بهذه الفوضى، وكيف انكفأت الطائرات الأميركيّة عن الحراك الحوثي، فيما كانت ناشطة وفاعلة ضد تنظيم «القاعدة» في اليمن السعيد؟!.   يتحدث أوباما عن تسوية في سوريا بمعزل عن الرئيس الأسد، يردّ هاغل: «لم تذهب طائرات التحالف لتنحية الأسد، بل لمحاربة داعش». ترك سعود الفيصل قمّة دول مجلس التعاون الطارئة، وغادر الرياض على عجل الى باريس، فموسكو، ومنها الى فيينا لكي يكون على مقربة ممّا يحصل وراء الكواليس، لا يريد إيران محور الحركة في الشرق الأوسط، لا يريد الأسد في أي تسوية، الإصرار على تنحيته يبقى أولوية سعوديّة.   ذهب وزير الحرس الوطني الأمير متعب بن عبدالله الى الرئيس أوباما، ليعلن بعد المقابلة عن «تطابق في وجهات النظر حول التسوية في سوريا بمعزل عن الأسد؟!». ضاق صدر هاغل من «الإزدواجيّة الصمّاء، لا يمكن دعم داعش في سوريا، ومحاربتها في العراق؟!».   شجّع كيري بالتنسيق والتشاور مع نظيره الإيراني، الرئيس العراقي فؤاد معصوم على زيارة الرياض لفتح صفحة جديدة، وأعقبتها زيارة لرئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري، فجاء الردّ قاسياً، قال الأمير سعود الفيصل: «على إيران أن تُنهي احتلالها للعراق وسوريا ولبنان أوّلاً»، وطلب من المندوب السعودي لدى الأمم المتحدة التقدم بشكوى الى مجلس الأمن لإدراج «حزب الله» على قائمة المنظمات الإرهابيّة؟!.   التوقيت الإيراني مستمر في فيينا، والموعد الجديد في حزيران المقبل، سبعة أشهر حبلى بكل أنواع المفاجآت الأمنية، والسياسيّة، والتسووية، والباب مفتوح على كلّ الاحتمالات، «لأنّ إيران لا تتجاوب بسهولة، ولا يمكننا العودة الى الوراء؟!»، خصوصاً أنّ الروس متضامنون مع التوقيت الإيراني في سوريا والعراق ولبنان الى أبعد الحدود، ولا أحد يدري ما إذا كان كلّ ذلك سيدفع بالرئيس نبيه برّي على الاستمرار في تفاؤله، والتصميم على هندسة طاولة الحوار؟!.