شق مراقبو وزارة الصحة طريقهم إلى واحد من أكبر الأسواق الشعبية في لبنان وهو سوق صبرا، بعد بدء حملتهم في محال السوبر ماركت، لكن المخفي ما زال كبيراً.
في صبرا يتحدث الناس عن اللحوم المثلجة التي تذوب وتباع بوصفها طازجة، من دون أن ينبههم أحد إلى أنها كانت مثلجة ولا تجوز إعادة تثليجها، كما يتحدثون عن الأدوية المزورة التي تباع داخل المخيم، فيصبح دواء المضادات الحيوية حبة بونبون مثلاً.   ومثلما منع المراقبون من دخول السوق، جاء رجل طويل القامة خلال جولتنا، وأبلغنا بشكل حاسم أن لا لحوم مثلجة في صبرا، ثم أردف: «يالله كل واحد يشوف شغلو!». وبدا واضحاً خلال الجولة التي شملت محالّ تقع قبل منطقة «الممنوعات»، الاضطراب الذي يعيشه الناس من حملة وزارة الصحة، كأنهم كانوا يعيشون في غياهب الزمن، ثم اكتشفوا فجأة أن هناك مرجعية رسمية دخلت ديارهم.  
 فقد طرأ تغيير ملحوظ على العديد من محال بيع اللحوم والدجاج، الكائنة على جانبي الطريق، وأصبحت أكثر نظافة، بينما تحدث أصحابها بحماسة عن بضائعهم الطازجة.   ويقول صاحب أحد محال بيع الدجاج إن الكيلوغرام يباع هنا بخمسة آلاف ليرة، أي أقل من سعره في السوبر ماركت بألفي ليرة، مع العلم أنه من النوعية نفسها، ولكن الهدف هو بيع كميات أكبر، وبالتالي لا يبقى في المحل دجاج بائت.  
 ويوضح صاحب ملحمة العشي أن لدى عائلته مزرعة ومسلخاً في الشويفات وبرادات لحفظ اللحوم مرخصة من محافظ جبل لبنان.
 يبيع كيلوغرام لحم العجل بأربعة عشر ألف ليرة، أي أقل من سعره الرائج، مع فارق أنه لا يستجيب لطلب الزبون بأن تكون اللحمة «مشفاية» أي هبرة من دون دهون، وإلا فإن سعرها يرتفع إلى سبعة عشر ألف ليرة. ويؤكد العشي أن غالبية زبائنه من خارج منطقة صبرا.
ثم يتقدم جاره ويقول: هذه لحوم طازجة، استطيع أن آخذ الآن قطعة وأتناولها أمامك كي تتأكدي منها. لحام آخر يبيع كيلوغرام لحم البقر بثلاثة عشر ألف ليرة.
ويقول إن هناك لحوماً يُباع الكيلوغرام منها بتسعة آلاف أو عشرة آلاف ليرة.
أما سعر كيلوغرام اللحوم المجلدة فأربعة آلاف وخمسمئة ليرة.  
 تراجع مبيعات اللحوم المعلبة  
 تراجعت مبيعات المعلبات من اللحوم والمارتديلا، بنسبة خمسين في المئة تقريباً، بعد حملة وزارة الصحة، كما يؤكد الباعة، بينما تنتشر في الأسواق الشعبية وفي بعض محال السوبر ماركت موضة العروض الخاصة على أسعار المعلبات، ومعها ينتشر بيع البهارات والزعتر والسماق والزيتون والكبيس والمكدوس، في أكياس كبرى وبراميل بلاستيكية مكشوفة.
 يضع صاحب محل بيع الحبوب المكشوفة في صبرا وليد اليسير سعر الكيلوغرام لكل صنف منها. وكتب على أحد أكياس الفول: «فول من دون سوس»، ولدى سؤاله عن معنى ذلك أوضح أنه عندما يتم رش الفول وهو أخضر بالدواء ضد الحشرات، يموت السوس. ويسري الأمر على جميع أنواع الحبوب التي ترش بالدواء، وتخضع للتعقيم، وإلا فسوف تعشش فيها الحشرات.  
 تبدو بضاعة اليسير طازجة، وقد أوضح أنه يتعامل مع تجار يعرفهم، ولا يشتري إلا الحبوب التي يقل عمرها عن ستة أشهر، أما رخص أسعارها فيعود إلى رغبته في بيع كميات أكبر من تلك التي يبيعها لو كانت أسعارها شبيهة بأسعار السوبر ماركت.   ويقول صاحب محل آخر إنه يبيع بأسعار اقل من سعر السوق لأنه يعتمد تحديد ربح معين، ولا سيما أن بضائعه غير موضبة في أكياس ترفع كلفتها.  
في منطقة الرويس، يعرض صاحب محال دحبول أنواع الكبيس والزيتون ومعجنات الحر، ويبيعها بكميات كبرى للمطاعم والمحال.
 يضعها في البراميل الزرقاء الكبرى، وتنتشر منها الروائح. الكبيس والزيتون ومعجنات الحر أمام المحل من قصرنبا في البقاع.
والمعلبات في الداخل، يضع عليها العروض، ويبيعها بأسعار تقل عن الرائج لأنه يعتمد مقولة: أبيع كثيراً وأربح قليلاً. سعر كيلوغرام الزيتون المكبوس يراوح بين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف ليرة.
علبة التمر بخمسة آلاف ليرة، علبة جبنة بيكون ست عشرة قطعة بألفين وسبعمئة وخمسين ليرة،
علبة لحمة المنى بثلاثة آلاف ومئتين وخمسين ليرة.
مارتديلا المراعي بأربعة آلاف وخمسمئة ليرة.
الهوت دوغ بألفين وسبعمئة وخمسين ليرة.
تونا «إم فود» بألف وخمسمئة ليرة.
تونا «سوبر وايت» بألف وسبعمئة وخمسين ليرة.
تونا إيراني بألفين وخمسمئة ليرة.  
 في برج البراجنة، يكاد يتحول أحد المحال إلى محل العروض الخاصة، عبوة زيت العافية ثلاثة ليترات ونصف الليتر بأحد عشر ألفاً وتسعمئة وخمسين ليرة، عبوة زيت «المازولا» بثلاثة آلاف وخمسئة ليرة.
مارتديلا غولدن فيلدز بين ألف وخمسئة والف ومئتين وخمسين ليرة،
مايونيز ميسا خمسمئة ميلليتر بألف وخمسمئة ليرة.
لحم بقر ستار بألفين وسبعمئة وخمسين ليرة.
كيلوغرام جبنة الموتزاريلا بثمانية آلاف ليرة.  
أم كلثوم في سوق الأحد   في سوق الأحد تصبح البضائع المعروضة أقل جودة وأكثر عرضة للتلوث.
فهذه البهارات ومعجنات الحر في «جاطات» البلاستيك التي تستخدم للغسيل. هنا، يصدح صوت أم كلثوم: «ياما حاولت انساك وانسى ليالي هواك»، ويختلط مع أصوات الباعة الذين ينادون على بضائعهم الرخيصة، عطور مركبة لا أحد يعرف ما هي المواد التي تحتويها. علبتا دواء الجلي «فيري» من الحجم الكبير مع الصغيرة بخمسة آلاف ليرة، كيلوغرام المكسرات بخمسة آلاف ليرة، دواء بودرة مكتوب عليه بالعربية «سمو كرز» لتنظيف أسنان المدخنين من دون معرفة ماذا يحصل للأسنان من بعده.
كريم آخر مضاد لحب الشباب، أي دواء للجلد، صبغة رويال مقلدة كتب عليها بالعربية: رويال أحمر عنابي، حتى الجاكيت بخمسة آلاف ليرة، الأمر الذي جعل أحد الزبائن يعلق مازحا: «لو سرقها سوف تكلفه أكثر من هيك».   بعد أم كلثوم، ينبعث من أحد محال بيع الأغاني صوت مغن سوري شعبي يدعى مجد العلي، ثم صوت محمد منير على بسطة أخرى: في عشق البنات.
هذا سوق يباع فيه كل ما يخطر في البال، من أدوات كهربائية وأغطية ومــــلابس، وتتعرف فيه إلى كــــل أنواع المهاجرين واللاجئين والنازحين، هنا تختـــــلط اللهجات الســــورية والمصرية والهندية والبنغلادشيـــــة، يبحث أصحابها عن الرخيص، ولا أحد يهتم للرقابة أصلا.   تعقيم الحبوب   يعرف الناس أنه يتم تعقيم الحبوب كي لا تعشش فيها الحشرات، لكنهم لا يعرفون كيف يتم التعقيم.
ويوضح صاحب محال للحبوب أحمد الحلباوي أن التعقيم يحصل عبر استخدام مادة تدعى الفوسكفوسين، وهي عبارة عن مادة دخانية على شكل أقراص الدواء، توضع بين الحبوب في غرفة مقفلة ومبردة، تتفاعل مع الحبوب لمدة ست وثلاثين ساعة قبل أن ينطفئ الدخان المنبعث منها، ويتم سحب الروائح من خلال شفاط خاص، ثم فتح باب الغرفة عشرة سنتيمترات تقريباً، للدخول منه قبل فتحه نهائياً.
ويترتب على من يدخل الغرفة ارتداء ثوب التعقيم مع كمامة وفيلتر لأن من لديه حساسية قد يمرض. ويؤكد الحلباوي أن فتح الغرفة يكون عادة في يوم عطلة كي لا يتأثر أحد بالروائح. ويقول إن ذلك الدواء مرخص من وزارة الصحة.
أما محاربة الفئران والجراذان فتكون أولا بإغلاق جميع المنافذ التي يمكن أن تدخل منها، وبالنسبة إلى الصراصير يتم رش دواء خاص بها على حواف الجدران كل خمسة عشر يوماً.  
 الري بالمجاري   كل نوع من أنواع الخضار والفاكهة يقل سعره، تقل جودته. تحتاج الخضار والفاكهة إلى انتفاضة صحية لأن غالبية الخضار تأتي من سهلي البقاع وعكار. ومع موسم الشح تُروى غالبية المزروعات بمياه المجاري، أو بمياه الآبار الارتوازية المختلطة بالمجاري، أو بمياه نهري الليطاني والكبير الجنوبي المختلطة بمجاري الصرف الصحي والمواد الكيميائية الآتية من القرى والمعامل.  
 إذا كان سعر كيس البطاطا زنة اثني عشر كلغ ستة آلاف ليرة، فذلك يعني أنها بطاطا مروية بالمجاري وموضوعة في البرادات من العام الماضي. يؤكد ذلك بائع بطاطا من البقاع في سوق بئر حسن، ويقول إن سعر كيس البطاطا الجديدة من الزنة نفسها يزيد ألف ليرة. فتسأل ما هي كلفة كيلوغرام البطاطا إذا كان سعره في السوق خمسمئة ليرة. ويشرح البائع صاحب الخبرة أن العام الماضي كان موسم شح، فارتفعت نسبة الري بمياه المجاري، ناهيك باختلاطها مع المواد الكيميائية والكورتيزون ومواد التنظيف المنزلي. تصب تلك المجاري من قرى شرق البقاع وغربه في مجرى نهر الليطاني، وأحياناً تروى مباشرة منها كما حصل في بعلبك بعد تحويل مياه المجاري من معمل التكرير إلى المزروعات مباشرة.  
 بعد البطاطا، يُباع صندوق بصل اليمونة الذي يحتوي ثمانية عشر كيلوغراماً بثلاثة آلاف ليرة، ثم يأتي دور الخس والسبانخ والهندباء والبقدونس والنعناع، فتنتظر نعمة المطر كي تخف عنها مياه المجاري. الخيار والبندورة في غير موسمهما من درعا والساحل السوري وهما من زراعات البيوت البلاستيك.
 ويقول أبو أحمد من حوش الرافقة وهو بائع خضار إن معمل «ليبان ليه» في طليا المجاورة مثلا يحوِّل نفاياته ونفايات مزارع الأبقار التي يملكها إلى مجرى النهر، فتنبعث روائح النفايات والمجاري كي يتلوث الهواء والطعام معاً.
ويوضح أنه بعد منع زراعة الحشيشة انتشرت زراعة العنب والتفاح، لكن كلفتها العالية من عناية ورش مبيدات، أدت إلى تراجعها، كلفة البطاط أقل من كلفة العنب: كان يوجد قرب منزلنا ستة كروم عنب ولم يعد هناك سوى كرم واحد
.