يشعر العماد ميشال عون أن اقتراحه الأخير القاضي بحصر المنافسة الرئاسية بينه وبين سمير جعجع، نجح في تحقيق أكثر من هدف، ولو انه قوبل باعتراضات واسعة من قبل قوى «14 آذار»، حالت دون «تسييله» الى جلسة انتخابية في مجلس النواب.   بالنسبة الى عون، يكفي ان الاقتراح تمكن من نزع المزيد من الأقنعة عن وجوه خصومه الذين كانوا يتهمونه بتعمد إجهاض النصاب النيابي في كل مرة، للهروب من استحقاق الانتخابات والإمعان في تعطيل موقع الرئاسة، فإذا بمبادرته الأخيرة تحرج هؤلاء الخصوم وتضبط تورطهم في جريمة الشغور بـ»الجرم المشهود»، وفق ما يردده أنصار الجنرال. أدرك عون منذ البداية ان الفريق الآخر لا يريد، حتى إشعار آخر، إنجاز الاستحقاق الرئاسي لأنه ليس جاهزاً له بعد، بفعل عدم اكتمال «كلمة السر» التي تخفي بين حروفها اسم الرئيس المطلوب.   لكن هذا الفريق وجد في طريقة إدارة الجنرال لمعركته، لا سيما لجهة إصراره على مقاطعة جلسات الانتخاب، فرصة لتحميله مسؤولية التسبب بالشغور وإطالة أمده، فراح يصوّب على نقطة الضعف هذه، مستخدماً كل أنواع الأسلحة السياسية الثقيلة، ومحققاً إصابات في صورة الرابية لدى الرأي العام.   قرر عون، الخبير في سلاح المدفعية، تغيير «الإحداثيات» المنتقاة في الرد على مصادر النيران، واستبدل تكتيكه السياسي منتقلاً من الدفاع الى الهجوم، فطرح أولاً فكرة انتخاب رئس الجمهورية مباشرة من الشعب على مرحلتين بحيث يفوز الأقوى مسيحياً ووطنياً بالرئاسة، إلا ان قوى «14 آذار» رفضت هذا الطرح كلياً، الأمر الذي سمح للجنرال بالتقاط الأنفاس وتصوير منافسيه على الرئاسة بمظهر الخائفين من الاختبار الميداني، بسبب ضعف تمثيلهم الشعبي.   ومع اقتراب موعد الانتخابات النيابية، اقترح رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» الاحتكام إليها، أولاً لفرز مجلس جديد أصدق تمثيلاً يتولى اختيار الرئيس، وثانياً لتبيان حقيقة من يملك الأكثرية المسيحية وبالتالي الاستناد الى هذا المؤشر بغية تحقيق اختراق في جدار المأزق الحالي.   من جديد، رُفض طرح الجنرال الذي تمكن من تسجيل نقطة إضافية على خصومه، لا سيما بعدما سلك المجلس طريق التمديد لنفسه. أما الضربة الأشد إيلاماً التي وجهها عون الى من يتهمه بتعطيل الاستحقاق الرئاسي، كما يقول المقربون منه، فقد تمثلت في مبادرته الى إبداء الاستعداد للمشاركة في جلسة الانتخاب، شرط حصر التصويت بينه وبين جعجع، وهو الأمر الذي أصاب خصومه بالتوتر والاضطراب، وفق الانطباع السائد في الرابية.   ويعتبر المحيطون بعون أن هذه المبادرة كشفت المستور وأكدت عدم صحة الاتهام الذي كان يوجهه البعض الى الجنرال بأنه يتبع سياسة «أنا أو لا أحد» بعدما وافق على خوض المبارزة مع رئيس حزب «القوات اللبنانية»، مشيرين إلى أن الردود السلبية أظهرت أن وراء الأكمة ما وراءها، وأثبتت بالعين المجردة أن «تكتل التغيير والإصلاح» ليس هو من يمنع انتخاب الرئيس وإنما الآخرون الذين يعارضون انتخاب رئيس قوي، سواء كان عون أم جعجع أم غيرهما.   وبناء عليه، تسود الرابية قناعة بأن المشهد الانتخابي السائد هو مشهد كرتوني، وأن المسرح الذي تدور عليه الأحداث حالياً ليس سوى مسرح دمى لتقطيع الوقت والتمويه على الحقيقة، وهي أن هناك قوى في «8 و14 آذار» تعارض وصول شخصية مسيحية قوية الى قصر بعبدا، وبالتالي فهي ليست حاضرة بعد لانتخاب الرئيس لأن التوافق على اسم الرئيس - الصفقة لم يُنجز لغاية الآن، داخلياً وخارجياً.   ويهزأ المقربون من الجنرال من مقولة أن اقتراحه يتعارض مع مبادئ الديموقراطية، لافتين الانتباه إلى أن أصحاب هذه النظرية هم الذين أمعنوا في استباحة هذه الديموقراطية بالتمديد لمجلس النواب مرتين، وقبل ذلك بتجاوز المادة 49 من الدستور لإفساح المجال أمام انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وغير ذلك من التجاوزات الفادحة، في حين يُسجَّل لمبادرة عون أنها تؤمِّن على الأقل حداً أدنى من التنافس الانتخابي.   يفترض أنصار الجنرال ان الاقتراح الاخير أثبت ان عون يعطل «النصب»، لا النصاب، مؤكدين انه سيواصل سياسة فضح النيات، ولافتين الانتباه الى انه حتى لو حصل المستحيل وقرر عون التصويت لجعجع، فإن هناك من سيخترع ذريعة جديدة للمضي في الهروب الى الأمام، لأن هناك قراراً متخذاً، بدءاً من حلفاء رئيس «القوات»، بعدم انتخاب رئيس يملك حيثية مسيحية حقيقية، أياً يكن اسمه.