الزيارة التي قام بها قائد الجيش العماد جان قهوجي لواشنطن حوالى منتصف شهر تشرين الأول الماضي، من أجل المشاركة في الاجتماع العسكري العالي المستوى لأعضاء "التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب"، كانت ناجحة جداً سياسياً وعسكرياً، في رأي مصدر لبناني متابع لحركته من سنوات وللحركة الأميركية في لبنان والمنطقة. فالكلام الذي قــــاله في ذلك الاجتماع عن الدور الذي يقوم به جيش لبنان في التصدّي للإرهاب الإسلامي السنّي المتطرّف حتّى العنف والتكفير بواسطة تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة" وغيرهما، والآراء التي أبداها عن الإرهاب المتوسِّع في الانتشار داخل المنطقة وطريقة مكافحته، ذلك كله لقي استحساناً وتقديراً من العسكريين الذين استمــــعــــوا إليه ونــاقــشـــوه فــيه، ونُقـــل بعد ذلــك إلى الرئيس الامـيركــــي باراك أوبــــاما فأشـــاد بــه. وربما حصل ذلك في اجتماع ترأسه أوباما للعسكريين الكبار أو في اشتراكه في جزء من مناقشاتهم. وهذه عادة يمارسها أحياناً. طبعاً سُئل العماد قهوجي كثيراً بعد عودته إلى بلاده من قريبين منه وأصدقاء له عن زيارته الأميركية بشقّها العسكري وكذلك بشقّها السياسي، إذ اعتقدوا أنه لا بد أن تكون المباحثات تطرّقت إليه مع المسؤولين في إدارة أوباما الذين قد يكون التقاهم، وذلك لسببين اثنين أولهما، أن لبنان يعيش مرحلة سياسية وطنية صعبة جراء شغور رئاسة الجمهورية. وثانيهما، أن اسم قائد الجيش موجود على لائحة الأسماء التي يعتقد الناخبون صغارهم والكبار أن الرئيس الجديد للجمهورية اللبنانية سيكون واحداً منها. لكنه اكتفى بالقول إن زيارته كانت ناجحة وتحاشى الدخول في تفاصيلها العسكرية والسياسية إذا وجدت. إلا أن المصدر اللبناني المتابع المذكور أعلاه، وبصرف النظر عن الزيارة المشار اليها، يقول أمرين: الأول، أن أميركا ليس لديها مرشح لرئاسة الجمهورية في لبنان، وأن على الناخبين اللبنانيين أن يتفقوا على الشخصية التي يعتقدون أنها قادرة على قيادة البلاد في هذه المرحلة الخطيرة من تاريخها وتاريخ المنطقة، أو على الأقل على منع النار السورية من الامتداد إليها ومن تجديد الحرب الأهلية فيها ولكن هذه المرة بين السنّة والشيعة، الأمر الذي يجعلها أكثر شراسة وقسوة ووحشية من حرب أو حروب 1975 – 1990. وما يجري في سوريا منذ أقل من أربع سنوات خير دليل على ذلك. أما الأمر الثاني فهو أن العماد قهوجي قد يكون بالنسبة إلى أميركا المرشح الذي تنطبق عليه المواصفات المطلوبة، لكنها لن تحاول تسويقه أو حشد التأييد له داخلاً وخارجاً، أو فرضه رئيساً، علماً أن ذلك ليس في إمكانها هي الدولة الأعظم في العالم اليوم رغم كل التحديات التي تواجه. إلى ذلك، يلفت المصدر نفسه إلى أن "حزب الله"، زعيم فريق 8 آذار وحليفه "التيار الوطني الحر"، رشّح قبل مدة قصيرة مؤسّس الأخير وزعيمه العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية. ربما بعدما بدأت تساوره الهواجس عن سبب عدم ترشيحه له رسمياً قبل أشهر. لكن "الحزب" يعرف وأطرافاً آخرين فاعلين داخل لبنان وخارجه أن رئاسة عون تقارب المستحيل. اذ لا يمكن أن تتحقّق إلا إذا انتصر الفريق المؤيد له في لبنان وسوريا وربما في المنطقة. وهذا أمر مستحيل رغم أن هزيمته ايضاً من الصعوبة بمكان، ولا سيما في ظل العنف المستشري والمداخلات الأمنية التي جعلت بدعمها المتحاربين، في سوريا والعراق عسكرياً وفي لبنان سياسياً حتى الآن على الأقل، جيوشاً محترفة متعادلة القوة. لذلك فإن الشغور الرئاسي سيستمر طويلاً، علماً أن ملئه لا يحتاج بالضرورة إلى تفاهم نهائي أميركي - إيراني يعقبه تفاهم سعودي – إيراني. إذ ربما يحتاج إلى مؤشرات أو تطورات ثابتة على طريق التفاهمين المذكورين. وساعتها فان التعويض على عون سيكون بجعله ناخباً كبيراً للرئيس. لكن ذلك لا يعني السماح له بأن يسمّي أو يزكّي من تعتبرهم أميركا أو السعودية أعداء لها، ومن يعتبرهم فريق 14 آذار أعداء له أيضاً. واذا وصل "الجنرال" عون إلى هذه المرحلة، يضيف المصدر المتابع نفسه، فإن حظوظ قائد الجيش تنعدم لأن الناخب الكبير أو الأكبر يضع عليه "ڤيتو" كبيراً. كما أن حظوظ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تضيق لأن الناخب نفسه لا يستحسن وصوله إلى الرئاسة الأولى رغم عدم وصوله الى حد وضع "الڤيتو " عليه. وعلماً أيضاً أن ملء الفراغ قد يقرِّب موعده انفجار خطير قد يتوسّع.