"تجميد القتال" في مدينة حلب السورية هو الهدف الأول اليوم للمبعوث الأممي ستيفان دو ميستورا. وقد عرضه أولاً على مجلس الأمن فوافق عليه. ثم انطلق به إلى سوريا فسمع من رئيسها بشار الاسد استعداداً لدرسه. وها هو الآن يتحرّك بين العواصم العربية والاقليمية والدولية المعنية بسوريا والمنطقة لإزالة العوائق من أمامه. لكن السؤال الذي يتردّد في واشنطن وغيرها هو هل الاستعداد الذي أبداه الأسد لـ"تجميد القتال" في حلب جدي أم مناورة؟ وينبثق من هذا السؤال واحد آخر هو: هل تشجِّع الجمهورية الإسلامية الإيرانية الأسد، وهي الحليفة الأولى له في العالم، على قبول اقتراح دو ميستورا؟ هل من أجوبة "أميركية" عن السؤالين؟ لا أعرف إذا كان الرئيس السوري يريد فعلاً تجميد القتال في حلب، يجيب متابع أميركي مزمن لعلاقة بلاده بسوريا والمنطقة. ويتابع: لكن اذا أقدم على هذه الخطوة فستكون في مصلحته. فالرئيس باراك أوباما قال دائماً إن على الأسد والمحيطين به أن يرحلوا، بعد مفاوضات ناجحة مع المعارضين المعتدلين. لكنّه قال في الوقت نفسه إن بلاده لن تذهب إلى حد محاربته مباشرة في بلاده. وهو كان أيضاً محبِّذاً لتسوية سياسية متفاوض عليها حرصاً على تلافي مزيد من سفك الدماء. ماذا لو لم تحقِّق المفاوضات أو المساعي لاطلاقها، بعد "تجميد القتال" في حلب ثم في غيرها لاحقاً، اي نتيجة ايجابية؟ إذا حصل ذلك، يجيب المتابع نفسه، فإن أحداً لن يفرض على الأسد ومحيطه الرحيل عن السلطة، أو بالأحرى لا يستطيع أحد أن يفرض عليه ذلك جراء عوامل داخلية وأخرى اقليمية معروفة جداً. أما إذا كان تقدُّمها واضحاً ولكن بطيئاً فإن "ذهابه إلى البيت" لن يتم في السرعة التي يرغب فيها أعداؤه. إذ لا بد أن يعقب التسوية بعد التوصل إليها تنفيذ بنودها وفي مقدمها إجراء انتخابات نيابية عامة. ماذا عن إيران الإسلامية وهل "تجميد القتال" في مصلحتها؟ نعم، يجيب المتابع الأميركي إياه. وستكون المفاوضات التي لا بد أن تلحقها "يوماً" في مصلحتها أيضاً. ذلك أن الرئيس الأميركي أوباما لم يطلب منها رحيل الرئيس بشار الأسد عن السلطة، كما لم يجعله شرطاً سابقاً في مفاوضاته معها حول مشروعها أو ملفها النووي، وهي تعرف أن أميركا تريد رؤيته ومجموعته أو محيطه خارج الحكم والسلطة. إلى ذلك، فإن أوباما لم يطلب يوماً مغادرة مقاتلي "حزب الله"، اللبناني الهوية والايراني الايديولوجيا والتدريب والتسلح والتمويل، الأراضي السورية التي دخلها للقتال دفاعاً عن الأسد ونظامه وقضايا أخرى. علماً أن المسؤولين الإيرانيين يعرفون تمام المعرفة أن أميركا أوباما وغير أوباما تحب أو تفضّل أن ترى الأسد ومجموعته خارج الحكم ومقاتلي "حزب الله" خارج سوريا. والاثنان هما، في رأي المتابع نفسه، ورقتان في يد طهران. وهي ستكون على استعداد تام للتخلي عنهما أو عن أي منهما أو للمقايضة بهما أو بأحدهما إذا كان من شأن ذلك تحسين موقعها في المفاوضات النووية مع المجموعة الدولية 5 + 1 وخصوصاً أميركا، وتمكينها من الحصول على تسوية بشروط أفضل. أين صارت المفاوضات النووية بين إيران والـ5 + 1؟ لا تزال مستمرة كما يعرف الجميع، لكن المدة المحددة لها ستنتهي قريباً بعد ثمانية أيام (24 تشرين الثاني الجاري)، يجيب المتابع إياه. وهو يعتقد ان هناك حجري عثرة يعوقان التسوية للملف النووي الإيراني أولهما الخلاف على عدد أجهزة الطرد المركزي (centrifuge) التي ستبقى عاملة بعد التسوية، إذ لا يزال المفاوض الايراني يرفض الرقم المتدني الذي وضعته المجموعة الدولية. وثانيهما تذمر مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من منع إيران تفقّدهم منشآت نووية محددة. إلا أن مصادر ديبلوماسية غربية مطلعة تعتقد أن أميركا وإيران توصلتا إلى تفاهم على نحو 90 أو 95 في المئة من التسوية المنتظرة. أما ما يؤخّر انجازها فهو "تشدّد" أوروبا وتحديداً فرنسا والمانيا. علماً أن جهات أميركية بحثية تعتقد أن تمديد مهلة التفاوض قد يكون الأكثر ترجيحاً، ذلك أن التشدّد الأوروبي لن يزول في سهولة، كما أن فوز الجمهوريين في الانتخابات النصفية للكونغرس سيعقّد أمور أوباما وسيدفعه إلى مقايضات، وهي تأخذ وقتاً. أي توقُّع هو الأصحّ؟ الانتظار وحده يقدّم الجواب.