عادت داعش بالزمن الى الاسلام المُبكر , وتصرفت وفق منطق قريش وبواديها , وعادات العرب في الجاهلية, والاسلام, يوم كان الرقّ سائداً, والجاريات تُباع وتُشرى.
عادت داعش بالزمن الى مرحلة القبائل, ومفاهيم الغزو, وحسابات الغزوات والحروب, وحصاد الفيء, والغنائم , والأسرى وامتلاكهم كعبيد وجاريات , يفعل بهم ما يشاء المنتصرون باسم السيوف, وقوّة الخيول.
عادت بنا الى السلف الصالح ,كما يؤمن المسلمون المؤمنون بالتجربة الاسلامية الرائدة للمسلمين الأوائل, ممن أسلموا, وبايعوا ,وقاتلوا ,واختلفوا, وبنوا دولة عرضها السموات والأرض بواسطة الحديد والدماء, ووصلوا أفريقيا وأوروبا, بعد آسيا.
عندما ذبحت داعش ,ذكرنا ذبحها, بالذبح الأول, عندما ذبح خالد ابن الوليد مالك ابن النويرة , وعندما ذبح المسلمون بعضهم بعضاً في الجمل وصفين والنهروان , وعندما ذبح المسلمون ابن بنت رسولهم الامام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه في كربلاء, وعندما ذبح المسلمون بعضهم البعض من الأمويين الى العباسيين, ومن تبعهم بسفك للدماء, من دول ودويلات قامت على أنقاض الخلافة الواهنة.
اذاً.. الذبح لنا عادة, فلماذا نستهجن ما تفعله داعش ؟ فهيّ تحيّ سنّة الأولين من المؤمنين , وهي تعيد كتابة التاريخ الاسلامي وفق أوراقه الأولى , فلماذا نظلمها ونجردها من اسلامها ودينها؟ وندّعي أنها غريبة عن الاسلام, وبعيدة عنه كلّ البعد, وهي دخيلة ومأجورة وعميلة للدول وشياطين كثيرة.
راجعوا التاريخ الاسلامي سوف تجدون داعش أكثرهم رأفة ورحمة من أولئك الذين قتلوا الحسين ابن عليّ "عليهما السلام ",وأي قتل لقد مثّلوا فيه بطريقة لم تشهدها وحشية الجاهلية الأولى , وسبوا النساء, وقتلوا الأطفال, وذبحوا رضيع الله من الوريد الى الوريد بسهم مسموم من "خليفة" رسول الله .. وهكذا فقسّ.. تاريخ حافل بالكربلائيّات , وها نحن نستعيد تجربة السيف والذبح بحقد وكره دفينين, وبطريقة أسوأ من جاهليتنا التي تقودنا الى عصبيّات عمياء تدفعنا الى القتل وبمتعة خاصة تسيل فيها لعاب القاتلين لمسلمين تجمعهم شهادة أن لا اله الاّ الله , وأنّ محمّداً رسول الله.
لقد كشفت داعش ما في داخلنا من جاهلية مقنّعة بالاسلام المحمديّ في لحظة من لحظات الفتنة السلطوية .. فرُبّ ضارة نافعة لأنها تضعنا أمام مرآتنا لتكشف زيفنا ,وأكاذيبنا ,نحن الذين نفتخر بعروبة تختزن تجربة جاهلية كاملة, وباسلامية منتفخة بالأورام الخبيثة, وندّعي السماحة والرحمة والسلام, والسيف لا يفارق يداً, لنغرسه في خواصر بعضنا البعض.
داعش حثالة حيوانيّة مُفترسة, ولا تنتمي الى البشرية في شيء, وهي تتكلم باسم الله والاسلام, ولكنها تفعل فعل الشياطين ... فلماذا لا نقدّم تجربة اسلامية لا تقوم على السيف ؟ لنكون قرآنيين كما كان الأنبياء دُعاة كلمة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.
أحيت داعش أمس سنّة من سُنن الأولين عندما اعتقلت أثناء حربها مع الأكراد فتيات من عين العرب, واعتبرتهن "مُلك يمين ", وقامت بعرضهن للبيع في احدى أسواق الرقّة, وتمّ شراؤهن من قبل سوريين, وبأسعار خاضعة لبورصة جمالهن ..انه عمل جاهلي بامتياز , وهو برسم المجتمعات التي ترى في جماعات اللحى حلاً لدينهم ودنياهم , هو برسم المصريين الذين وجدوا في الاخوان حلاً لفقرهم المُدقع , ولأزماتهم المُسنة والمُزمنة, وبرسم التونسيين الذين استيقظوا من نصف كبوتهم في انتخابات الأحد التشريعية , وبرسم الأتراك الذين هربوا من العلمنة العسكرية الى الجماعة المُستبدّة , وبرسم العرب والمسلمين, في أيّ قطر, ومصر , من المندفعين وراء الصحوة الاسلامية التي لم تجلب لهم سوى عتمة داعشية جديدة من "عتمات" الجاهلية الأولى.