الأسطرة التاريخية لذاكرة الحزن
أقدم إشارة في التاريخ إلى الحزن الجماعي المنظّم هي في ما يبدو تلك التي ترد في ملحمة كلكامش (حدود عام 3200- 3000 ق.م.). فحين عرضت الآلهة عشتار الزواج على كلكامش خاطبها بقوله: "من أجل تموز حبيب صباك قضيتِ بالبكاء سنة بعد سنة".. وهذا يشير إلى عادة الندب والبكاء على تموز إله الخضرة والربيع حيث كان الاعتقاد أنه ينزل إلى العالم السفلي في الخريف، ويعود إلى الحياة مع بشائر الربيع. وقد صوّره الشعراء البابليون راعياً مات في زهرة شبابه فنزلت عشتروت إلى جهنم لتلاقيه وتعيد إليه الحياة عابرة الأبواب السبعة من مساكن الموتى. وفي اليوم الثاني من الشهر الرابع من السنة البابلية الذي يقابل أول تموز/يوليو في عرفنا اليوم كانوا في بابل يغنون قصائد الشعراء المنظومة لذكرى موته فدعي الشهر تموز من أجل ذلك .
تطورت هذه المراسيم في العراق نفسه فوجِّه هذا البكاء عند البابليين إلى الإله مردوك في اليوم السابع من نيسان/أبريل، وذلك أثناء احتفالاتهم بأعياد رأس السنة التي كانت تستغرق 12 يوماً تبدأ في الأول من نيسان/أبريل. وكانت احتفالات هذا اليوم تتمثل في دراما محزنة لموت الإله مردوك وصعوده إلى السماء، فالإله يجرح ويموت، ويبحث الناس عنه في كل مكان مولولين وناحبين . 
ويبدو أن هذا التقليد انتشر إلى الحياة الإسرائيلية إبان السبي البابلي. ففي الكتاب المقدّس، العهد القديم، سفر حزقيال، الإصحاح 8، الآية 14: "على مدخل باب بيت الرب الذي من جهة الشمال وإذ نسوة جالسات يبكين على تموز". وفي المزمور 137 من سفر المزامير نقرأ الآيات 1-6: "على أنهار بابل هناك جلسنا، بكينا أيضاً عندما تذكرنا صهيون، على الصفصاف في وسطها علقنا أعوادنا، لأنه هناك سألنا الذين سبونا كلام ترنيمة، ومعذبونا سألونا فرحاً قائلين: رنموا لنا من ترنيمات صهيون، كيف نرنم ترنيمة الرب في أرض غريبة، إن نسيتك يا أورشليم، تنساني يميني، ليلتصق لساني بحنكي إن لم أذكرك، إن لم أفضل أورشليم على أعظم فرحي".
ووصل تموز إلى مصر الفرعونية وصار اسمه أوزيريس، وإلى اليونانية وتسمى بأدونيس أخذاً من الفينيقيين الذين سمّوه أدون أو أدوناي، أي السيد. وكانت النساء في لبنان "تبكين في كل عام موت أدونيس ويرخين شعورهن. ولكي يتذكرن موته كن يزرعن على الأحواض في السطوح بقلاً وشعيراً وشمراً ويحرقن البخور فوق المذابح". وكانوا في لبنان "يدفنون في الهياكل تماثيل تشبه أدونيس وتقوم من القبر في اليوم الخامس لدفنها ويعيدون قيامها" ... وتلك تفصيلات تذكر بالمسيح وقيامته. وقد ذكر حبيب ثابت رواية عن القديس جراسيموس الأردني (ت475م) "أنه كان في بيت لحم غاب مقدس على اسم أدونيس، وكان المصلون يقيمون المناحات عليه يوم ذكرى موته في المغارة التي ولد فيها السيد المسيح" . وقد ذكر آدم متز "أنه سرى كثير مما يقال لإثارة العواطف في يوم جمعة الآلام عند المسيحيين إلى يوم عاشوراء". ونقل متزعن ابن بابويه القمي نصاً ورد في كتابه هو محاورة بين كُمَيل بن زياد وامرأة يقال لها جبلة المكية، يقول لها كُمَيل: إذا نظرتِ السماء حمراء، كأنها دم عبيط، ورأيتِ الشمس على الحيطان كأنها الملاحف المعصفرة، فاعلمي أن سيد الشهداء قد قتل" . ونص القمي ورد نظيره في عدة كتب منها "سير أعلام النبلاء" للذهبي (لفظاً ومعنى). ونقل الخطيب البغدادي وابن عساكر وسبط ابن الجوزي والسيوطي أخباراً من هذه عن ابن سيرين وغيره. ولكن آدم متز لم يذكر النص المسيحي الذي يعتقد أن نص القمي مأخوذ منه.
وقد بقي في العراق عند طائفة الصابئة الحرانية الكلدانية هذا التقليد الحزين وتغريبه، ودخل ضمن احتفالاتها الدينية التي يقع واحد منها في النصف من تموز/يوليو ويسمى عيد البوقات، ويعني "النساء المبكِّيات".
وفي بلاد فارس كان هناك تقليد مشابه لدى الخرمية الذين ثاروا على الدولة العباسية مطلع القرن الثالث هجري. و قيل إنه "كان لهم في الجاهلية نبي اسمه شروين، ويفضلونه على الأنبياء، ومتى ما ناحوا على ميت أخذوا باسمه ندبة ونياحاً وتفجعاً عليه" .