خطف منظّم ساد ويسود منطقة البقاع، عبارة اختصر فيها مصدر سياسي أمني مطلع لـ”المستقبل”، واقع البقاعين الأوسط والشمالي، وتابع: «من الغباء في السياسة والأمن، الاقتناع بأنّ ما جرى ويجري من عمليات خطف، منذ بداية الانتفاضة السورية ضدّ نظام آل الأسد وأعوانهم، بأنه فقط، «خطف لقاء فدية». هذه المقولة وإن صحت في بعض الحالات، فنسبة مرتكبيها لا ترتقي إلى العشرة في المئة من مجموع العمليات المنظمة والهادفة سياسياً وأمنياً».

ولكن مَن المستفيد من تنظيم مثل هذا «البرنامج»، ولماذا؟ يجيب المصدر: «لا يمكن تبرئة النظام السوري وحزب الله من هذه العمليات، وللتذكير فقط، عند بداية الأحداث في سوريا، ومع تنامي موجة النزوح من سوريا إلى البقاع، وبخاصة شريحة رجال الأعمال، شهد البقاع بأكمله سلسلة طويلة من عمليات خطف طاولت رجال أعمال أو تجاراً سوريين، بعضهم اقتيد إلى داخل سوريا، والبعض الآخر أطلق سراحه بعد دفع فدية، وأفراد جرت تصفيتهم، المهم كان الهدف من وراء هذه العمليات إفهام هذه الشريحة «أن يد النظام طويلة»، وثانياً، رسالة دموية إلى من بقي من رجال الأعمال والتجار في سوريا، بأنّ مصيرهم لن يختلف عن مصير من اتخذ قراراً بمغادرة سوريا تحت أي حجة كانت».

«تلك العمليات التي استهدفت السوريين تراجعت في السنتين الماضيتين»، يضيف المصدر «وحلّ مكانها خطف يتناسب وموجبات البرنامج السياسي الأمني المذهبي للنظام السوري وحزب الله على السواء. ولأن موازين القوى السياسية بين الأطراف اللبنانيين لا تسمح بخوض مثل هذه العمليات بشكل علني وصريح، أوكلت المهمة إلى جهاز أمن حزب الله لتنظيم و«تطوير» هذه الظاهرة بما يتناسب والتطورات الميدانية في الداخل السوري، وتحديداً في منطقة القلمون، مع تنظيم أجنده ذكية تخص بلدة عرسال، وتضعها على الدوام في صدارة الأحداث، وصولاً إلى استهدافها «شرعياً» بعدما تكون «فزاعة» الإرهاب بلغت سقفاً يبرر أي ارتكاب أمني وحتى عسكري واسع».

موضحاً «ولأن النظام السوري، سبق وهدد بتفجير المنطقة بما فيها لبنان، فإن إبقاء جو من التوتر الشديد بين المكونات الاجتماعية اللبنانية، وتحديداً البقاعية، في جهوزية قابلة للتفجير في أي لحظة يفيده، ولأجل ذلك، وضعت الغرفة الأمنية السورية والحزب أولوية برنامجها الذي أوكل كما أسلفت لجهاز أمن حزب الله».

وما كان من أمر هذه الغرفة؟ يرد: «أثبتت قدرتها على العمل بذكاء حاد في موضوع الخطف الميداني من دون أن تتدخل. وكانت تنفذ العمليات في أوقات تتناسب والتطورات السياسية والميدانية في لبنان والقلمون. فمن المعروف أن معظم عصابات الخطف تعيش حياة طبيعية لا بل فاعلة في المربعات الأمنية التابعة لحزب الله في البقاع الشمالي، وهو، الحزب، وفر ويوفر لها غطاء سياسياً قوياً حال حتى اليوم دون دخول القوى الأمنية إلى أماكن تواجد هذه المجموعات، كما أن ما قيل عن خطة أمنية للبقاع الشمالي، أتت نتائجها صفراً، ليس لأن الجيش والقوى الأمنية عاجزان عن بلوغ أماكن العصابات المنفذة لعمليات الخطف، بل لأن غطاء سياسياً وأمنياً أيضاً، يلف الحزب به مربعاته الأمنية ومجموعات الخطف المنظم، ويمنع بموجبه أياً كان من الدخول أو المساس «بالأنظمة والقوانين» التي يطبقها في «مناطقه».

لقد استطاعت الغرفة المشتركة، التي أوكلت المهمة إلى حزب الله، «ترقيص» الاستقرار والعيش المشترك في البقاع الشمالي، واستتباعاً لبنان، على إيقاع «موال» النظام السوري، وبرنامج دويلة حزب الله. فكانت عشرات عمليات الخطف التي تمت بذريعة الخطف لقاء فدية، أو خطف عراسلة ثأراً لحوادث أمنية هي من ارتكابات المسلحين السوريين حصراً في القلمون وجرود عرسال».

ويتابع المصدر: «سيناريو أمن الحزب، كان يشتغل على توجيه المجموعات المتخصصة بالخطف والسلب من بعيد، وكان ينأى بنفسه عن الاتصالات السياسية والأمنية التي كانت تجرى خلال معالجة كل عملية، «على أساس» أن لا علاقه له بما يجري، ويدفع من تحت الطاولة باتجاه مفاوضة المجموعة الخاطفة وأحياناً بعض أبناء العشائر، وصولاً إلى السقف الذي يريده. فالموضوع لا يقتصر على تنفيذ المهمة ميدانياً، بل إن أمن الحزب كان يشتغل وما زال، إبان وبعد كل حادثة خطف على دراسة رد فعل الشارع الآخر، وتحديداً شارع بلدات البقاعين الأوسط والغربي، الدراسة تتناول مدى سرعة رد الفعل، حجمه وطبيعته والمشاركين فيه وقدرتهم على الرد والى أي مدى. وفي موازاة الموضوع الميداني، يسيّر خطوطاً سياسية عبر وسطاء وشخصيات دينية وعشائرية إذا ما راجعه أحد بشأن التدخل، للتدليل على إيجابيته وحرصه على العيش المشترك، مطلقاً العنان في الوقت عينه لتصعيد الخطاب المذهبي، خصوصاً الذي يستهدف العراسلة، عبر شخصيات ورؤساء بلديات محسوبين عليه، فهل أقنع حزب الله الآخرين بمسرحياته؟».

ويتابع المصدر: «طبعاً لا، لسان حال الشارع، ومثله القوى السياسية وحتى الرسمية المناوئة لحزب الله، يقول ويتصرف على أساس أن الحزب يتحمل وحده مسؤولية هذه الظاهرة وتناميها بما يخدم مشروعه، ولعل المثال الساطع يتمثل بحجم القوى العسكرية البشرية واللوجستية التي يحركها حزب الله في البقاع الشمالي من دون مساءلة ومن دون أي اعتبار لشيء اسمه الدولة اللبنانية. حزب الله يقيم في البقاع الشمالي دولته الخاصة، وأصبح اليوم يمتلك مسوّغات عدة لاستمرار هذا الوضع لجهة مشاركته في القتال إلى جانب النظام السوري تحت مسميات وعناوين كثيرة آخرها مواجهة الإرهاب».

ويذكر المصدر بعضاً من أساليب مجموعات الخطف المنظم، والتي بلغت مرحلة متقدمة من التخطيط والحرفية، منها على سبيل المثال لا الحصر، أن تنفذ مجموعة موثوقة عملية خطف لأفراد، يُراد استثمار استهدافهم في تعزيز تهمة الإرهاب لأهالي عرسال، أو إلهاء الرأي العام عن قضايا حساسة، ومن ثم ترحّل هذه المجموعة المخطوف أو المخطوفين إلى مجموعة ثانية تمتلك قدرة تمثيل أوسع، على أن تلتهب الساحة إعلامياً وسياسياً بهذه القضية التي توضع خاتمتها بما يتناسب ومصلحة حزب الله.

فعمليات الخطف الأخيرة تضرب عصافير كثيرة بحجر واحد: تجديد تهمة الإرهاب الكاذبة للعراسلة وإبقاؤها حية، وتحديد أهداف يُراد شطبها لاحقاً من الخريطة السياسية والاجتماعية في عرسال. وثانياً، من قال إن الشارع الشيعي في البقاع الشمالي «بلع» الخسائر البشرية التي مُني بها أبناء المنطقة بعد أن زجّ بهم «حزب الله» في معارك الدفاع عن نظام آل الأسد، وآخرها السقوط المدوي في القلمون، ومن قال إن زيارة الأمين العام لحزب الله إلى البقاع الشمالي لاستيعاب الموقف قد نجحت! لذلك، لا بد من إشغال الشارع وإلهائه كي يتمكن الحزب اليوم من طي ذلك السقوط المدوي، الذي لن ينتهي طالما قيادة الحزب غير قادرة أو ممنوع عليها اتخاذ قرار الانسحاب من الوحل السوري، فالقرار كان وما زال في قبضة النظام الإيراني».

ويختم المصدر بالقول: «علينا أن نتوقع مزيداً من ارتكابات الخطف المنظم، فالأزمة متواصلة، وحزب الله مستمر في مغامرته السورية، والخشية تكمن في بلوغ مرحلة يكون فيها النظامان الإيراني والسوري عاجزين عن اتخاذ قرار التفجير الواسع على الساحة اللبنانية انطلاقاً من البقاع الشمالي».