كان واضحاً قبل "اندلاع" الربيع العربي أن الحوار بين "جماعة الأخوان المسلمين" وأميركا قد بدأ وخصوصاً بعدما حقَّق مرشحوها في الإنتخابات النيابية قبل الأخيرة في عهد الرئيس السابق حسني مبارك نتائج مهمة كان يمكن أن تتعزَّز في الدورة الثانية منها لولا انقضاض الأمن المصري عليها بكل قوة. وأحد الدوافع الى الحوار كان الخطاب السياسي الذي حاولت "الجماعة" بواسطته إغراء واشنطن بالتعاون معها لأنها تختلف جذرياً عن التنظيمات الإسلامية الأصولية المتشدِّدة التي تنتشر كالفطر في العالمين العربي والإسلامي. فهي مع الديموقراطية والدولة المدنية، وإن غير علمانية، ومع تداول السلطة. وكانت محاولتها ناجحة جزئياً إذ أن المسؤولين الأميركيين الذين يعرفون قوة تمثيلها الشعبي رأوا أن التعاون ممكن مبدئياً، لذلك قرروا إبقاء الاتصال قائماً. وبعد بدء "ربيع" مصر الأول الذي أظهر نجاحه تفوّق "الجماعة" في التمثيل الشعبي على الآخرين في الانتخابات التشريعية وفي انتخابات رئاسة الجمهورية، تتالت الإتصالات بينها وبين الأميركين في القاهرة وواشنطن. وبدا أن هؤلاء ارتاحوا إلى ما سمعوه من التزامات قيادة "الجماعة"، ليس فقط في موضوعات الحرية والديموقراطية وتداول السلطة، بل ايضاً في موضوعات تتعلّق بالمصالح الحيوية والاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، وفي مقدمها عدم مسّ معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية، والمساعدة في إيصال عملية السلام وجوهرها الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي إلى تسوية نهائية. إلى ذلك كله، رأى الأميركيون أن العالمين العربي والاسلامي يسيران نحو راديكالية دينية أصولية عنفية وإلغائية، ومالوا إلى الاقتناع بأن "جماعة الأخوان المسلمين"، التي اخترقتهما بنجاح ومنذ عقود، تستطيع المساعدة إذا شاركت في السلطة أو السياسة في دولهما لوقف الزحف الأصولي المتطرّف وللتعاون مع العالم لمكافحة الارهاب. كما اعتقدوا أن تجربة "حزب العدالة والتنمية" ذي الجذور "الأخوانية" الحاكم تركيا منذ 13 سنة تستطيع مع "إخوان" مصر، الدولة العربية الأكبر حجماً والتي كانت الأوسع تأثيراً في محيطها، انجاز الهدف المشار اليه. لكن تجربة "الجماعة" في حكم مصر لم تكن مشجّعة، إذ أتت ممارساتها متناقضة مع وعودها المعطاة للشعب المصري وللشعوب العربية والإسلامية، ومع وعودها المعطاة لأميركا، كاشفة بذلك عن نَهَم وجوع للسلطة، وعن ميل كامن إلى الانفراد والتحكّم. وطبيعي أن يثير ذلك قلق المصريين على حرياتهم وديموقراطيتهم، وقلق أميركا على مصالحها وعلى اسرائيل. لكن ذلك كله لم يدفع الادارة الأميركية إلى "نفض اليد" من "الجماعة" بعدما أطاح بحكمها ملايين المصريين بدعم مباشر من الجيش، اولاً لاقتناعها بأن ما حصل كان انقلاباً عسكرياً، وإن بتأييد ملايين من الناس. وثانياً، لخوفها من عودة النظام القديم بكل سيئاته. وثالثاً، لخوفها من تحوّل "الجماعة" وكل التيارات الإسلامية الأصولية إلى الارهاب. طبعاً جعل ذلك علاقات "مصر الجديدة" بواشنطن باردة وأحياناً متوتّرة. لكنها بدأت تسير، وإن ببطء، نحو الاستقرار الإيجابي انطلاقاً من اقتناع كلٍ من مصر وأميركا بأن استمرار شراكتهما ضرورة لهما معاً. لكن السؤال الذي يُطرح هنا وخصوصاً بعد ظهور قوة الإسلام الراديكالي المتطرّف والعنيف والتكفيري وانتشاره في العالمين العربي والإسلامي هو: هل لا يزال الاعتماد على "الأخوان المسلمين" العرب، ومعهم تركيا الإسلامية – العلمانية والدول العربية المسلمة الرافضة الإرهاب الاسلامي، للقضاء على الإسلام المذكور أعلاه ممكناً؟ في مصر، يجيب عارفون بأوضاعها، ان الاعتماد عليهم للهدف المشار إليه رهن بأمرين: الأول، استمرار إحجامهم عن التحول إرهابيين (رغم أن السلطة تعاملهم بهذه الصفة لاعتبارات معروفة) أي عن استعمال السلاح ضد الدولة. والثاني، انخراطهم جدياً في العملية السياسية وفق برامج واضحة والتخلي عن "التقيّة" التي مارسوها كي يصلوا الى السلطة. إلا أن هذا الجواب يثير تساؤلين. الأول، هل تستطيع تركيا الإسلامية العلمانية إقناع "إخوانها" العرب بـ"دول" تشبهها وخصوصاً بعدما ظهر في وضوح أن هؤلاء أكثر تطرفاً من "إخوانهم" الأتراك ربما لأنهم لم "يتغرّبوا" مثلهم قرابة 70 أو 80 سنة؟ والثاني: هل تقبل السعودية عودة "اخوان" مصر وغيرها الى الحياة السياسية، هي التي تعتبرهم خطراً مباشراً عليها؟ وهل تستطيع مصر الحالية "إغضاب" السعودية؟".