لئن كانت نقطة انطلاق الطائفة (أي طائفة، ولكننا هنا سنتكلم على الطائفة الشيعية) في الأصل تجمعات عبادة دينية أو مذهبية خاصة، فإن عامل العبادة لم يعد هو الذي يحافظ على تماسك الطائفة، ولا هو الذي يحيي نشاطها أو يحدد أهدافها. ولم يعد التعلق بمضمون العقيدة الدينية الأصلية الذي كان في أساس نشأتها هو ما يؤمن تماسك الطائفة، بل إنه ذلك الالتحام العصبي... وتسعى الطائفة إلى إثبات نفسها وإلى تأبيد دورها من خلال تواريخ أسطورية وقصص وأساطير تعطي لاستمراريتها معنى وتكسبها شرعية.. ولم تعد الطائفة تستمد ديناميكيتها إذاً من تقوى أفرادها، أو علم وفقه وورع مراجعها، أو انضباطها بموازين الشرع... لا بل إن التركيز على التزام ممارسة بعض الشعائر والطقوس غالباً ما يكون القصد منه تأكيد الهوية الطائفية الجماعية (شكل من أشكال النرجسية الجماعية نجدها بالملموس في احتفاليات عاشوراء وطقوس الزيارات الشيعية وغيرها الى مقامات الائمة والأولياء)، في حين أن الديناميكية الحقيقية للطائفة ترتكز على العصبية بمعناها الخلدوني، أي باعتبارها مزيجاً نفسياً - سوسيولوجياً هو في الآن نفسه قوة تماسك الجماعة، وشعورها بخصوصيتها، ووعيها لطموحاتها الجماعية ، كما هي تعبير عن ذلك التوتر الذي يحركها ويدفعها تدريجاً ومن دون أن يكون لها حرية الاختيار نحو السيطرة على السلطة... فما يحرك الطائفة ليس الدعوة الدينية (نشر إيمانها أو عقيدتها أو هداية الناس) وليس التدين والتقوى الفردية، وإنما هي العصبية التي غايتها السلطة... وبتعبير ابن خلدون نقول: "إعلم إن الملك (أي السلطة) غاية طبيعية للعصبية ليس وقوعه عنها باختيار، إنما هو بضرورة الوجود وترتيبه...".
والهوية الطائفية تنبني انطلاقاً من اّلية مزدوجة من التمايز والتماهي مع المحيط. والمحيط هنا هو عامل فاعل أولي في إدامة هوية خاصة. الهوية هي إذاً وبشكل ما نتاج المجتمع والتراث الثقافي. بعض العناصر قد تمارس دوراً أكثر تعبوية واستثارة للهوية: الدين خصوصاً. غير أن التركيز على العنصر الديني في بناء وتعبئة واستثارة الهوية لا يكون من باب الإيمان أو التقوى، بل من باب استراتيجيات الهوية وإثبات الذات. وهنا يبرز شيوع التفسير النصي الحرفي للدين وانفلات المظاهر الشعائرية والطقوس الخارجية كمعبر للتمايز على حساب الجوهر الروحي للدين. فالجماعة - الطائفة تتشكل من خلال استحضار شعائري - طقسي لذاكرة تاريخية محملة بالخصوصية التي تؤسطر الذات (في المكان والزمان) إلى حد القداسة. والأساطير المؤسسة للجماعات – الطوائف هي بحسب ميرتشيا إلياده حقائق حية وقصص حقيقية ثمينة وجوهرية نظراً إلى قدسيتها ومثاليتها النموذجية ومعناها الرمزي . فهي تشكّل أنموذجاً للسلوك البشري، وبذا تعطي معنى وقيمة للوجود. أما مالينوفسكي فهو يصف الأسطورة ليس كتفسير أو كتعبير عن حشرية علمية، بل كسرد روائي يعيد إحياء واقعة أولية، ويجيب في الآن نفسه عن احتياجات دينية عميقة وعن تطلعات أخلاقية، وقيود وضوابط اجتماعية، لا بل وحتى عن متطلبات عملية. 
وتبدو الطقوس الخاصة بجماعة ما وكأنها نظام اتصال وتواصل له وظائف اللغة نفسها. وبحسب كلود ليفي ستراوس، ورادكليف براون وكليفورد، غيرتز، وغيرهم من الأنثروبولوجيين، فإن للطقس وظيفة الدمج وبناء الهوية، فهو يعزز الروابط، ويؤطر والمشاعر يقودها، ويعطي قوة لمبادئ وأفكار ثقافة الجماعة، وهو يحدد الأدوار الاجتماعية، ويهيكل السلوكيات ويحفّزها، ويساهم بتركيز سلطة ما. وللطقس وظيفة إعلامية تربوية، إذ هو يجدد ويحيي العقيدة، ويقونن المبادئ العامة لتكوين السلوك الفردي والجماعي، ويبلور الشخصية الجماعية، وأساساً يبلور الذاكرة الجماعية. وفي عاشوراء كمثال فإن الطقوس الاحتفالية (التمثيلية خصوصاً) نقلت الواقعة الكربلائية من مجال التاريخ إلى مجال الذاكرة الجماعية. حقاً إن الذاكرة الجماعية تستوحي حدثاً وقع في التاريخ إلا أنها تبسّط هذا التاريخ وتختزله، وتقوم بتنقيته عبر الأسطرة والتحوير والتلفيق، مستخدمة في ذلك لغة رمزية خاصة.