أعلن وزير الداخلية نهاد المشنوق، في ذكرى اغتيال الشهيد وسام الحسن، أنّ التحقيقات «على قاب قوسين أو أدنى من اكتشاف جريمة الحسن»، وأضاف: «لقد حصلنا على الصورة وبعد في الصوت، وهذا الأمر سيعلن في الوقت المناسب»، وأكّد «أنا مسؤول عن كلامي، سيعلن، وستعرفون كلكم الحقيقة، وأقول للقتلة: مهما فعلتم وأينما ذهبتم أو صعدتم الى أعلى الأبراج، ولَو ذهبتم الى أبعد الأماكن، سنطالكم سنطالكم سنطالكم، وسنقتَصّ منكم بالعدل والقانون».

طغى الشقّ المتصِل بالصحوات و»حزب الله» في خطاب المشنوق على الشق المتعلّق بالتحقيقات في ملف الحسن، علماً أنّ هذا الشقّ لا يقلّ أهمية في مؤدّياته عن الأول، لا بل إذا كان الهدف من رسالة الصحوات مجرد تحذير الحزب من مغبّة مواصلة سياساته التي ستؤدي إلى نَسف القواعد التي قامت عليها الحكومة، فإنّ الكشف عن جريمة الحسن يفترض أن يؤدي موضوعياً ومنطقياً إلى تفجير الحكومة، خصوصاً إذا كانت المعطيات أثبتت، وفق ما أوحَى المشنوق، أنّ قاتل الحريري والحسن هو نفسه، كما أبرزت أنّ المجموعة التي نفّذت الاغتيال تنتمي إلى «حزب الله» أو بيئته. وبالتالي، هل ستتمكن قوى 14 آذار عموماً وتيار «المستقبل» خصوصاً من تجاهُل هذه الوقائع والاستمرار في الحكومة وكأنّ شيئاً لم يكن؟

حيال ما تقدّم، تبرز وجهتا نظر:

وجهة النظر الأولى تنطلق من سابقة اتهام المحكمة الدولية لعناصر من «حزب الله» بتنفيذ جريمة اغتيال الشهيد رفيق الحريري. وعلى رغم أنّ المتهِم هو المحكمة التي تحظى بصدقية عالمية وأنجزَت قرارها الظنّي بعد سنوات من العمل والبحث والجهد، إلّا أنّ ذلك لم يمنع قوى 14 آذار من المشاركة في حكومة واحدة مع الحزب.

وبالتالي، الظنّ بعناصر حزبية مجدداً لن يمنع قيادتهم من اتّباع المَسار نفسه الذي اتّبعته بعد صدور القرار الظني عن المحكمة الدولية بنَفي الاتهامات و«وَضعها في سياق الأهداف الإسرائيلية والداعشية باستهداف «حزب الله»، والتشديد على أنّ العناصر التي تمّ ذكرها هي أيقونات تدافع عن لبنان، وأنّ توقيفها لن يحصل ولَو بعد 300 سنة».

فلا شيء يمنع استمرار 14 آذار في الحكومة بعد الكشف عن وقائع جريمة الحسن، على غرار قبولها المساكنة مع الحزب مجدداً في حكومة سلام بعد اتهام المحكمة لعناصر من هذا الحزب باغتيال الحريري.

ووجهة النظر الأخرى تعتبر أنّ مشاركة 14 آذار في حكومة واحدة مع «حزب الله» تمّت بعد فترة طويلة على صدور القرار الظني في جريمة الحريري، وحصلت إبّان حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وبعد مرحلة أعقبَت تطورات سياسية وأمنية كادت أن تجرّ لبنان إلى حرب أهلية.

وعلى رغم ذلك هناك مَن طرح تساؤلات حول كيفية إقدام 14 آذار، و«المستقبل» تحديداً، على الجلوس مع الحزب حول طاولة واحدة، إلّا في حال إذا كانت نظرتهم للمحكمة لا تختلف عن نظرة 8 آذار إليها. ولكن ماذا لو كان القرار الظني قد صدر افتراضاً إبّان حكومة الحريري، فهل كان بإمكان 14 آذار البقاء في هذه الحكومة؟

بالتأكيد كلا، وبالتالي فإنّ عامل الوقت أساسي في هذا المجال، الأمر الذي يعني أنّ الكشف عن قتلة الحسن سيقود 14 آذار الحكومية إلى الاستقالة من الحكومة، وفي حال لم تكن في هذا الوارد لأسباب إقليمية ومحلية، فمن مصلحتها طَمس الحقيقة أو التسويف بإعلان نتائج التحقيقات، لأنه من غير المنطقي ولا المقبول الاستمرار في الحكومة بحجّة انتظار صدور الحكم لا الاكتفاء بالظنّ، أو بذريعة أنّ الجريمة ارتُكبَت قبل تأليف حكومة الرئيس تمام سلام، فيما الظن يفترض أن يقود إلى تعليق العلاقة مع المتهم بانتظار صدور الحكم.

وفي موازاة عامل الوقت الذي لا يمكن تجاهله ولا الاستهانة فيه، هناك عامل آخر لا يقلّ أهمية ولم يكن موجوداً إبّان اتهام المحكمة الدولية لعناصر «حزب الله» باغتيال الحريري، وهذا العامل يكمن في التطرف السنّي الذي وصل اليوم إلى الذروة، حيث أنّ أيّ تساهُل أو تهاون أو غضّ نظر من قبل «المستقبل» على هذا المستوى سيقود إلى تخوينه في الشارع السنّي والانقلاب عليه. وبالتالي، إدراك «المستقبل» لحساسية الوضع ودقته سيدفعه حُكماً إلى الاستقالة من الحكومة كخطوة بالحدّ الأدنى لاستيعاب النقمة السنية.

وعليه، هل أخطأ المشنوق في هذا الإعلان-الاكتشاف أمّ تَسرّع؟ وهل سيستطيع عدم الإعلان بعد أن أكّد أنّ التحقيقات أصبحت على قاب قوسين، والقاب قوسين تعني أسبوع-أسبوعين أو شهر-شهرين لا سنة-سنتين؟ وإذا كان الإعلان من طبيعة قضائية، فإنّ الردّ سيكون من طبيعة سياسية. وبالتالي، هل بدأ تيار «المستقبل» يدرس، واستطراداً 14 آذار، كيفية الرد سياسياً على الاكتشاف القضائي؟ وهل تستطيع 14 آذار الاستمرار في الحكومة؟

لا شك أنّ الأسابيع المقبلة وما ستحمله من مفاجآت قضائية كفيلة بالإجابة عن التساؤلات وغيرها.