خطت ايران خطوة مستعجلة في اليمن ظناً منها بسنوح الفرصة لأخذ اليمن من المملكة العربية التي سحبت بساطها من العراق وسورية وتهدد وجودها المميّز في لبنان عندما احتل الحوثيون العاصمة واستولوا على أسلحة الجيش في ظل تسليم بالاحتلال الحوثي السلمي من قبل الدولة اليمنية واللافت في بلد تعجّ فيه حوثيّات متعددة الأهداف من الانفصال الى المحاصصة القبلية المستأثرة والمستأسدة وتلك المغبونة الحقوق والأدوار.
استعجلت ايران في دفع الحوثيين الى مصادرة اليمن بواسطة الاحتلال لأنها فتحت في ذلك نيران القاصي والداني عليها في ظل تخبط يمني واضح وفاضح ومفتوح على أزمات لا حصر لها منها ما هو داخلي متعلق بالمسألة الأمنية المتخمة والاقتصادية المتضخمة والاجتماعية المتشظية وخارجي متعلق بالارهاب وبوجود القاعدة في اليمن ومطلب اميركا القاضي بتصفية هذا الوجود اضافة الى دور اليمن كشريان اقتصادي اقليمي حيوي لدول المنطقة واعتباره رصيداً أمنياً للخاصرة السعودية وحاجة لايران للامساك بأوراق قوّة تتحكم من خلالها بسياسات الشرق الأوسط.
لهذا يضيف الواصفون لايران باستعجالها في اليمن بأن صمت الولايات المتحدة يثير شكوكاً وريبة ليست لمصلحة الايرانيين اذ من غير المعقول أن تتحول اليمن من حال الى حال وبلمحة بصر دون أن يكون للبيت الأبيض رأيّاً عملياً من عملية الاجتياح للموجات البشرية الحوثية للعاصمة وما يترتب عن ذلك من اخلال في التوازنات الاقليمية في ساحة أساسية لحليفتها الاستراتيجية المملكة العربية السعودية , ومن ضمن الهواجس التي تنتاب هؤلاء اعتبار ان هناك كمين امريكي لايران في اليمن من خلال ادخالها في حرب استنزافية أخرى على شاكلة الاستنزاف الذي يصيب جسمها في العراق وسورية وبالتالي تكون ايرن قد لعبت صولداُ بكامل أوراقها وهذا خطأ سياسي كبير قدّ يُخسرها أوراقها التي جمعتها طيلة سنوات طويلة دفعة واحدة وهذا مربط الفرس الأمريكي في اليمن.
ويكمل المتشائمون من الخطوة الايرانية في اليمن متسائلين : ماذا سيفعل الحوثيون في بلد محكوم بالفلتان الأمني ؟ ما هو موقفهم من تنظيم القاعدة تعاون أم حرب لارضاء الغرب ؟ كيف سيتعاطون مع جماعة الاخوان المسلمين ؟ كيف سيرضون رغبات القبائل في السلطة والمحاصصة ؟ كيف سيشكلون حكومة ومع من؟ ومن حليفهم "الثورة"؟ أم عسكر النظام؟ ما هو موقفهم من قضية الجنوب ؟وهل يدعمون الانفصال اذا ما أمسكوا بالسلطة؟ وبالتالي فحسابات السلطة تختلف عن حسابات المعارضة وتتطلب مواقف منسجمة مع منطق السلطة لا مع مقتضيات المعارضة.
كيف ستنجح سلطة على خلاف مع المملكة العربية ومع الولايات المتحدة؟ ما هو صدى استخدام فتنة المذاهب في اليمن واعتبار ما حصل اجتياح شيعي لأهل الجماعة والسنة من خلال التحريض الذي يُتقنه رجال الدين.
اذاً ثمّة تعقيدات أكيدة أمام ايران في اليمن فهل تنجح ايران في تجاوز الفخوخ والكمائن المنصوبة لها في كل الاتجاهات وتخسر ما خسرته حتى الآن في دول أخرى ؟ سؤال برسم المرحلة المقبلة الحرجة في اليمن الموعود بحرب أهلية متعددة الأسباب والأسماء عوضاً على الحرب الدائمة مع القاعدة وامكانية أن تستدعي القاعدة الجهاديين الى اليمن باعتباره أرضاً للجهاد المقدس.
بغض النظر عن صحة الادّعاء بخطأ ايران التاريخي في اليمن باعتباره فخاً منصوباً لها من قبل الدهاقنة الامريكيين وامكانية البقاء والابقاء على قوّة حوثية ممسكة بالسلطة من خلال وزنها الداخلي واحتمال وصولها الى السلطة بواسطة الشرعية الوطنية لا شرعية القوّة ودون أن تدخل مع أحد في خصام مباشر مع طريقة الوصول التي أثارت غبار حرب يمنية ولكن من نوع آخر . يبدو أن ايران مطمئنة للحظتها الحوثية وستكشف الأيام المقبلة عن خسارة ايران للورقة اليمنية أمّ عن ربحها المعوضّ لها عن خسائرها في العراق وسورية.