منذ اعلان استقلال لبنان يحرص اللبنانيون عامة والمسيحيون خاصة والموارنة بوجه اخص على انتخاب رئيس جديد للجمهورية وفق المواعيد الدستورية , حتى في الفترات الاستثنائية مثل استقالة الرئيس بشارة الخوري فقد شغل قائد الجيش يومها اللواء فؤاد شهاب منصب رئيس حكومة انتقالية عملت على تأمين انتخاب رئيس جديد هو الرئيس كميل شمعون خلال ايام قليلة .

لكن هذا الحرص اللبناني الراسخ على ضرورة تأمين انتخاب رئيس للجمهورية وفق المواعيد الدستورية , فانه اليوم تحول الى استهتار وربما استخفاف في سد الفراغ الرئاسي في الموعد المحدد له , حتى كاد الفراغ الرئاسي ان يتحول الى قاعدة والى عرف يمكن للبنانيين التأقلم معه والتعايش في ظله بارتياح ودون قلق , وقد يصبح انتخاب الرئيس هو الاستثناء لهذه القاعدة .

   والفراغ الرئاسي الذي نعيش في ظله اليوم هو الفراغ الثالث منذ اتفاق الطائف , وفي الحالات الثلاث فان الذي يقف وراء عملية تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية هو رئيس تكتل التغير والاصلاح وقائد الجيش السابق العماد ميشال عون حتى بدا الامر وكأن هناك علاقة استراتيجية بين عون والفراغ الرئاسي .

  ــــ   ففي العام 1988 ومع انتهاء ولاية الرئيس امين الجميل فان العماد عون عطل انتخاب رئيس جمهورية عندما حاول ان يفرض نفسه رئيسا للجمهورية على اللبنانيين بقوة الامر الواقع وذلك بعد ان صادر القصر الرئاسي وجعل منه متراسا الى ان اقدم الجيش السوري على اقتحام القصر وهروب عون الى العاصمة الفرنسية باريس تاركا وراءه مئات من القتلى من افراد الجيش اللبناني ومئات من الجرحى ومئات من الاسرى لدى اقبية التعذيب في السجون السورية حيث ضاعت ملفاتهم الشخصية مما يعني انه تمت تصفيتهم .

  ــــ   وفي العام 2007 كذلك ادى اصرار العماد ميشال عون على ترشيح نفسه للرئاسة الى تعطيل انتخاب رئيس جديد لنحو عام حتى لقاء الدوحة وتم التوافق على انتخاب الرئيس ميشال سليمان , والامر نفسه  يتكرر اليوم مع اصرار العماد عون على التشبث بمنصب رئاسة الجمهورية بمعزل عن الدستور والقانون الذي يسهل عملية الانتخاب بغض النظر عمن يمكن ان يكون الرئيس , فهذا الاصرار هو الذي يعطل عملية اجراء انتخاب الرئيس ويمدد الفراغ الرئاسي .

     ومما يجعل الفراغ الرئاسي اليوم اكثر خطورة هو انه ياتي في وقت تجتاح فيه جماعات ارهابية / تنظيم داعش ـ جبهة النصرة /المنطقة العربية حيث تفرض على المسيحيين وعلى باقي الاقليات كالايزيديين والشبك فيها تهجيرا قسريا وخصوصا في العراق وكذلك فان المسيحيين في سوريا مهددين بالتهجير غير حوادث الاعتداء التي يتعرضون لها كخطف راهبات معلولا وخطف المطرانين الذين لا يزال مصيرهما مجهولا وغامضا الى اليوم .

    لكن الواضح هو ان حسابات الحقل سوف لن تتطابق على حسابات بيدر العماد عون . فاصرار عون على التمسك بشعار / انا الرئيس او لا احد /فلن يفضي الا الى المزيد من عزلته السياسية والى  تراجع كبير من رصيده الشعبي , لان احدا حتى حلفاء عون يريد ان يسعى الى تدمير وخراب البلد من خلال السعي الى ايصال شخصية مزاجية امثال ميشال عوم الى قصر بعبدا .

     وفي جانب آخر هناك حركة سياسية ودبلوماسية تعمل على ازالة العراقيل التي تحول دون انجاز هذا الاستحقاق , فعلى هامش اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة وفي دورتها العادية ال/69/ كان هناك لقاء جمع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند مع الرئيس الايراني الشيخ حسن روحاني فكان ملف الرئاسة اللبنانية حاضرا في هذا اللقاء .

   وكذلك فان رئيس الحكومة تمام سلام كشف انه طلب من الرئيس الايراني خلال لقاء تم بينهما في الامم المتحدة , المساعدة في انجاز ملف انتخاب رئيس للجمهورية مؤكدا ان جو اللقاء كان ايجابيا .

   وفي السياق عينه سربت اوساط صحفية معلومات ان هناك اتصالات تجري بعيدا عن الاضواء والاعلام من اجل ازالة العراقيل التي تحول دون انتخاب رئيس للجمهورية حتى يتم انجاز هذا الاستحقاق قبل العشرين من تشرين الثاني القادم موعد انتهاء ولاية مجلس النواب الممددة حتى ولو كان الثمن اقرار تمديد جديد للولاية النيابية .

   ويبدو ان بورصة الاسماء المرشحة للرئاسة المقبلة قد انحصرت في اسمين , واحد منهم الوزير السابق جان عبيد المقبول من جميع الاطراف والذي ينشط في هذا الاتجاه وبعيدا عن الضوضاء من خلال سلسلة زيارات يقوم بها وتشمل عواصم عربية واقليمية واوروبية .

                                     طانيوس علي وهبي