الكلمة التي تصبح بديلاً عن معناها ، تصبح مجرَّد فكرة فارغة وتائهة في الفراغ والهواء ، وهذا مما يجعلها تدخل تلقائياً ومن دون رادع في باب الضياع والتيه المدعو باسم (الإيديولوجية)..إنه مصطلح غريب في واقعنا ولغتنا ، لأنه حقاً يعبِّر عن شيء غريب الأطوار في الواقع ، ولأنه لا يعني العقيدة بل يعني الدوغمائية ولا يشترط فيه الفعل والعمل والتطبيق بل هو أداء الطقوس ...وهذا يجعل الفرد المؤدي لأداء الطقس بريء من أي مسؤولية تجاه الآخر واتجاه مجتمعه وبلده ، من هنا تصبح الكلمة هي الفعل نفسه بمجرَّد وجودها في المصطلح الديني والسياسي والأصولي واللغوي والفلسفي ، تصبح هذه الأفكار تعيش فقط في اللغة بعيدة كل البعد عن واقع الناس والمجتمع في الحياة العملية..فمثلاً اليهود منذ وجودهم في التاريخ البشري فالمصطلح الديني يطلق مفهوماً (هم شعب الله المختار) فهم يعتقدون بهذا من نفس الكلمة والمصطلح ، وليس هم شعب الله المختار من حيث الواقع والممارسة والعمل ولا من سلوكهم بحب الله وبحب الآخرين ، بل هم بعكس ذلك تماماً فما زالوا يحتلون أرض فلسطين وفي كل يوم يعتدون على الأطفال والنساء والشيوخ وما زالوا يهجِّرون أهلها ، وما زالوا يهدِّدون أمن لبنان وشعبه وأهله والمنطقة بأسرها ،بعد كل هذه الأعمال الهمجية والإجرامية ظلَّوا يعتقدون بأنهم شعب الله المختار....بهذه المخالطات والمغالطات المميتة تستطيع الإيديولوجية أن تعيش فقط في اللغة والكلمة والمصطلح من دون أي عناء وتعب لتلامس الواقع ، وأن تكون أفكاراً مضيئة في وطنٍ مظلمٍ ، وبديلاً من الأمان في وطنٍ يعيش الخوف والذعر والموت والإرهاب والتكفير والخراب والدمار، وبديلاً من العدل في وطنٍ مقهور ومفجوع والرابح فيه هو السلاح والقوة والهيمنة تحت إمرة الأحزاب ، والخاسر فيه المواطن الذي لا حول له ولا قوة ، هي الإيديولوجية التي تتكلَّم وتفرض هيمنتها ، فيما الناس ساكتون...وللأسف أيضاً هذا ما حدث في الإسلام بعد أن غاب عنه الهدف الأسمى الذي دعا إليه الأنبياء وهو العدل والرحمة والمساواة والعمل المنتج وفعل الخيرات والذي لم يسكت عنه صوت القرآن ، ومع ذلك لم يكف الناس عن الصلاة والصوم والحج...لم تغب هذه الشعائر في الإسلام ولكنه أصبح يعيش في لغة الناس ولا يعيش في واقعهم ، السلام في الإسلام هي كلمة إلى واقعٍ ملموسٍ في حياة الناس ، هي أطفال ونساء وعمَّال وشيوخ وعجائز يردون أن يعيشوا بأمان وأمن وإستقرار، وأن ينعموا بالسلام في وطنٍ محرَّرٍ من الخوف والفتن والفقر والمرض ولكن إذا أرادوا إستبدال الحروف بالمعنى ويكتفوا بترديد كلمة (السلام عليكم) فإننا نعيش بالتحيَّات ونخسر السلام في المجتمع والوطن...والرحمة في الإسلام هي قانون في واقع الناس لا تعتدي على الآخرين وتهضم حقوقهم ، وكن رحيماً على أبناء جلدك ووطنك لا تروِّعهم وتبعث في نفوسهم الخوف والرعب ، ولكن إذا أرادوا أن يستبدلوها حينها تذهب الرحمة إلى الأموات ولا أحد يرحم الأحياء في مجتمعنا ووطننا...هذا السكوت هو الذي تسبَّب بعزل الدين عن الدنيا وأطلق يد السياسيين والدينيين في تبرير هذه المخالفة تبريراً فقهياً وهي أنَّ الدنيا ليست نهاية المطاف ....... الشيخ عباس حايك