يسود في دوائر ديبلوماسية في بيروت اعتقاد وتقدير بأنه سيكون للبنان رئيس جديد في شهر نوفمبر المقبل، وأن الاحتفال بذكرى الاستقلال سيكون في ظل الرئيس الجديد المنتخب والمتوافق عليه.. ولكن هذا الانطباع يقابله انطباع آخر معاكس لدى دوائر سياسية لبنانية مفاده أن انتخابات الرئاسة لم تنضج ظروفها بعد، وأن التطورات المتسارعة، سواء منها التطورات الأمنية في لبنان منذ تفجر أحداث عرسال، أو التطورات العسكرية في المنطقة بعد انطلاق الحرب الجوية المفتوحة ضد «داعش» و«النصرة» في العراق وسورية، هذه التطورات تدفع باتجاه المزيد من الانتظار والترقب لما سيؤول إليه من جهة الوضع في عرسال وارتداداته المباشرة في الداخل اللبناني، ومن جهة ثانية الوضع في المنطقة ونتائج التحالف الإقليمي الدولي الجديد.

 

ولأن أوان انتخاب الرئيس الجديد لم يحن بعد وترسخت قناعة لدى مختلف الأطراف بأن هذا الأمر سيتأخر ولا يمكن ربط البلد به، كان التحول، في فترة الوقت الضائع وفي ظل سباق محموم مع الوقت، الى استحقاقات جانبية ومحاولة إحداث انفراجات جزئية وفتح ثغرات في الجدار السياسي المرتفع.
 


وجاء الاختراق الأهم تحت عنوان «تشريع الضرورة» ليفتح أبواب مجلس النواب وعودته الى العمل ولو من ضمن ضوابط وقيود وعلى أساس اتفاق سياسي شمل الأمور المستعجلة وهي سلسلة الرتب والرواتب وسندات اليوروبوند والقوانين المالية بما يتضمن قوننة الإنفاق وصرف رواتب القطاع العام، بالإضافة الى القروض الميسرة من قبل المصرف الإسلامي والصناديق العربية.
 


ورغم الجهد المبذول من الرئيسين بري والسنيورة لنفي وجود أي صفقة سياسية قوامها «التمديد مقابل التشريع»، فإنهما يواجهان مهمة صعبة في إقناع الرأي العام في وقت أصبحت الصفقة واقعا سياسيا، وصار التمديد النيابي منتهيا ولم يكن بالإمكان تمريره وإبقاء المجلس على قيد الحياة من دون إدارة و«تزييت» محركاته.

 

في وقت يتجه مجلس النواب الى «وضع أفضل»، تتجه الحكومة الى وضع أسوأ. هذه الحكومة التي لا مجال لسقوطها ولا مصلحة لأحد في ذلك، والتي عليها «الصمود» حتى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، تواجه اختلالا واضحا في توازنها وتقع تحت ضغط ووطأة الأحداث المتدافعة في لبنان والمنطقة.
 


وهذه الحكومة ذات الطبيعة الانتقالية وغير المعدة أصلا لمواجهة أوضاع وأحداث بهذا الحجم، تواجه الاهتزاز الأول من نوعه منذ قيامها وتعاني من وضع مفخخ نتيجة الخلاف الحاصل بين مكوناتها حول ثلاث مسائل أساسية تعد كل مسألة فيها لغما كافيا لتطيير حكومة في ظروف عادية، وهي:

 

1 ـ مسألة العسكريين المخطوفين التي لايزال الموقف الحكومي في شأنها في دائرة الالتباس ولم يتخذ القرار الواضح والنهائي بعد: هل الحكومة كلها مع مبدأ التفاوض؟ وهل القبول بالتفاوض يعني القبول بالمقايضة؟ وإذا كان جنبلاط انتقل من التفاوض الى المقايضة، فهل حدث هذا الانتقال عند حزب الله؟ وإذا كان سلام أعلن دعمه للتفاوض من أجل تحرير العسكريين، فعلى أي أساس، وما هو سقف التفاوض، وما هو الخط الأحمر في التبادل؟ وما هي النتائج إذا لم يتم التوصل الى اتفاق؟

 

2 ـ مسألة إقامة مخيمات للنازحين السوريين التي كان طرحها الوزير المختص رشيد درباس على طاولة مجلس الوزراء ليسحبها من التداول سريعا بعدما اصطدم باعتراض وزير حزب الله محمد فنيش على إقامة مخيمات في مناطق حدودية فاصلة (المصنع والعبودية).

 

3 ـ موقع لبنان ودوره في التحالف الدولي الإقليمي ضد «داعش» والإرهاب، وحيث يبرز رفض حزب الله لأن يكون لبنان جزءا من التحالف لأسباب شرح بعضها السيد حسن نصرالله في إطلالته الأخيرة، مقابل موقف وزراء 14 آذار الذي يقول بضرورة وأهمية انضمام لبنان الى هذا التحالف للإفادة من خدماته ومساعدته في مجال دعم الجيش وضبط الحدود اللبنانية السورية وتوسيع نطاق تطبيق القرار 1701، وهناك الكتلة الوزارية الوسطية بين هذين الموقفين وفيها وزراء جنبلاط وسليمان، وأيضا وزراء عون بعدما كان الوزير باسيل شارك في مؤتمري جدة وباريس.