علم “العربي الجديد” أن الشيخ سالم الرافعي قد غادر لبنان إلى تركيا. والرافعي هو أبرز رموز الحركة السلفية في لبنان في السنوات الأخيرة، إلى جانب كونه الشخصية الأبرز في “هيئة العلماء المسلمين”. تقول بعض المصادر الإسلامية إن الرافعي سيعود، فيما تُشير أخرى إلى أنه قرر الابتعاد مرحلياً عن لبنان، لكن مختلف هذه المصادر تجمع على أن الرافعي قرر الابتعاد عن العمل السياسي اليومي، وهو في حال عودته إلى لبنان، سيلتزم مسجد “التقوى” (الذي يؤمّه في طرابلس، شمالي لبنان)، ليقوم بتدريس الدين فقط، كما أنه يعمل على تفكيك البنية التنظيمية التي كانت تحيط به من مكتب خدمات ومكتب إعلامي وغيرها.

وتأتي مغادرة الرافعي أو الاعتكاف، في سياق حديث مصادر سياسيّة لبنانيّة عن قرار سعودي، تبناه تيّار المستقبل، بتحجيم “هيئة العلماء المسلمين”، إن لم يكن ضربها بالكامل، إذ تُتهم بأنها إحدى أذرع “الإخوان المسلمين” في لبنان. وتُشير هذه المصادر إلى أن مشكلة الهيئة تكمن في أنها تضم رجال دين مقربين من “جبهة النصرة”، إلى جانب وجود قرار سعودي بإعادة “ضبط الشارع السني” والسيطرة عليه، عبر ضرب كل الأطر الدينية العاملة لصالح تعزيز دار الفتوى.

ومنذ نحو شهرين، قررت السعودية أنها لا تحتمل فكرة وجود مفتييَن للجمهورية اللبنانيّة، فطلبت من تيار المستقبل التحرك سريعاً لحلّ مشكلة دار الفتوى بأقل الخسائر وانتخاب مفتٍ جديد. دخلت مصر على الخط، واشتغل أحد الدبلوماسيين في سفارتها في بيروت، وسيطاً بين مختلف القوى المعنية بانتخابات الدار، وأنهى مهمته عبر انتخاب المفتي عبد اللطيف دريان بشبه إجماع.

تقول مصادر إسلامية، إن الرئيس سعد الحريري، أبلغ دريان أن مهمته الأولى تحضير الدار لمواجهة المجموعات الإسلامية المتشددة. وتضيف بعض هذه المصادر أن الحريري وضع الجماعة الإسلامية (الفرع اللبناني للإخوان المسلمين) و”هيئة العلماء المسلمين” ضمن هذه السلّة. لكن دار الفتوى تحتاج إلى عملية ترميم سياسيّة ودينية وخدماتية لتستطيع لعب الدور المطلوب منها، وهو أمر ليس سهلاً، بحسب ما تقول مصادر تيار المستقبل. بناءً على ذلك يتم التعاطي مع “هيئة العلماء” و”الجماعة الإسلاميّة”، اليوم، وإن كانت “الهيئة” عرضة للهجوم أكثر من “الجماعة” في المرحلة الحالية، والأمثلة في هذا المجال كثيرة. فمنذ طلبت الحكومة اللبنانيّة وقيادة الجيش من الهيئة الدخول في وساطة للوصول إلى حلّ سلمي لاشتباكات عرسال بين الجيش اللبناني ومجموعات تابعة للتنظيمات الإسلامية، والهيئة تتعرّض لهجوم سياسي وأمني حاد. وتقول مصادر الهيئة إنه على الرغم من أن كل تحركاتها كانت بالتنسيق مع قيادة الجيش، إلا أن استخبارات الجيش عمدت مرات كثيرة إلى إيقاف وفد الهيئة لساعات على الحواجز العسكرية. وتُضيف هذه المصادر أن السلطة اللبنانية، على المستويين السياسي والأمني، تطلب من الهيئة بشكلٍ دائم التدخل لحلّ المشاكل، خصوصاً في الشمال والبقاع، الأمر الذي “وضع الهيئة في اشتباك كلامي مع مؤيدي داعش في لبنان وخارجه، إلا أن هذه السلطة تمنع عن الهيئة الحدّ الأدنى من المساعدة”. وتشير هذه المصادر إلى رفض الطلبات المتكررة للهيئة بنقل أحد زعماء المجموعات المسلحة في مدينة طرابلس الشمالية، حسام الصباغ، من سجن إلى آخر، أو تسريع المحاكمات للموقوفين الإسلاميين، أو السماح لعائلات معتقلين آخرين بلقائهم.

من هنا، تشعر الهيئة بأن هناك من يُريد أن “يحرقها سياسياً”. أما في العلاقة مع تيّار المستقبل، فإن التيار بدأ منذ عدة أسابيع، يستثني مشايخ الهيئة والجماعة الإسلامية من الدعوات لحضور نشاطاته في شمال لبنان، وذلك ترجمةً لقرار العزل السياسي. مصادر رفيعة المستوى في الجماعة الإسلامية، تُشير إلى أنها تشعر بنوع من “المتابعة الأمنية الدقيقة” لعملها في لبنان، “لكن لا يوجد ما نخفيه أو ما نخجل به، ولا ندين لأحد بشيء”، بحسب هذه المصادر. ويُضيف هذا المصدر لـ “العربي الجديد”، أن التواصل مع السفارة السعودية في بيروت، لا يزال قائماً عبر النائب عن “الجماعة”، عماد الحوت، لكن القراءة السياسيّة للجماعة الإسلامية تُشير إلى وجود حملة ستطال الإسلاميين في لبنان، وهو ما يدفعها إلى الابتعاد عن المشهد السياسي. كما أن الجماعة مارست نوعاً من “التقية” للحفاظ على العلاقة مع السعودية عموماً، فهي، بعد أن زكّى نائبها، الحوت، المرشح المنافس لدريان في دار الفتوى، فإن ناخبيها صوّتوا لصالح دريان. في المقابل، يشدد مصدر سياسي لبناني مقرَّب من السعوديّة، على أن العبارة التي اعتاد تردادها وزير الداخلية السعودي السابق، نايف بن عبد العزيز، وهي: “الإخوان فتنة في الدين ويُدمرون الدول”، تعود إلى الواجهة أخيراً، وسيتم تعميمها أكثر في التعاطي مع ملف “الإخوان”.

 

الكاتب:ثائر غندور