لم يتسن لشهيد لبنان محمد حميّة أن يقبّل يد والدته ويستأذنها الرحيل، وأن يأخذ رضى والده قبل المغادرة، فقد اختاره الإرهابيون بطلاً لحلقة جديدة من مسلسل الموت الذي يخرجونه، حددوا الزمان والمكان، كتبوا السيناريو جيداً، جهزوا الكاميرات، طلب المخرج بدء المشهد، أطلق "الوحش" الرصاصة وفارقنا محمد.
خبر استشهاده سقط كالصاعقة على بلدته طاريا (غربي بعلبك )، الوالد المفجوع عض على جرحه وطالب الجميع بالتهدئة، نعم الخسارة كبيرة، فهو لم يخسر ابناً فقط، بل صديقاً وزميلاً يعاونه في أرضه، يفلح و يزرع ويحصد، لكن هذه المرة زرع بطولة وحصد شهادة.
"وسط عائلة متواضعة مؤلفة من شقيق يدعى علي وثلاث شقيقات ترعرع، كان يدرس ويعاون أهله في الوقت عينه، حتى قرر الالتحاق بالجيش قبل نحو سنتين، من أجل الوطن أولاً وبناء مستقبله ثانياً"، كلمات لمختار طاريا، حمود حميّة الذي أضاف في حديث لـ"النهار": "كل التعابير تعجز عن وصفه، فهو من خيرة شباب المنطقة،الجميع يحبونه، ليس كلاماً من أجل الكلام، لكن تهذيبه وذوقه ومعاملته مع الآخرين وكفاحه في الحياة وهو ما يزال ابن العشرين ربيعاً تجعل كل ما يقال عنه قليلاً".
"محمد لم ينتم إلى أي حزب، كان تحت ارداة وتصرف أهله، رضاهما أقصى غايته، فعلاً "ربّوا ولقّوا" كما يقول المثل، لكن يد الغدر خطفته من والديه، فحرمتهما من سند يُتكّل عليه ومن عريس لم يتسن له أن يلبس بدلته"، بحسب حميّة.
كلام حمود أكده المختار علي حميّة الذي قال لـ"النهار": "كان الجميع يحترمه، صاحب نخوة وشهامة...لكن أين تصرف هذه الصفات في بلد كثرت فيه الذئاب، بلد يسمح بالتلاعب بمصير شباب ووطن في شكل مخذٍ، كما ان رئيس بلدية عرسال علي الحجيري كان قد أكد لوالد محمد أن ابنه بخير ولن يمسسه سوء خاصة بعد تهديد "النصرة" بإعدامه أكثر من مرة، حيث كان ليل الخميس ـ الجمعة الماضي، آخر موعد للتنفيذ، اتضح أن التنفيذ أجّل يوم واحد ولم يلغ".
تطوّع محمد في الجيش ليحمي وطنه لكن للأسف لم يستطع "وطنه" أن يحميه ويعيده من براثن خاطفيه، فسقط على مذبحه شهيداً آخر.
أيها البطل... لك المجد ولهم العار.

اسرار شبارو 
النهار