بات أبناء طرابلس على قناعة بأن الدور الأمني لمدينتهم لم ينته بعد، وأن صندوق البريد الذي أقفلته الخطة الأمنية في أول نيسان الماضي، مرشح لأن يفتح مجددا في أي لحظة، مع غض النظر السياسي والأمني عن عودة بعض المجموعات المسلحة المتشددة الى فرض نفوذها على مناطقها، تحت غطاء الأحداث الجارية في عرسال.
ويدرك الطرابلسيون أيضا، أن ما تشهده مدينتهم اليوم من خروق أمنية متكررة، هو بمثابة «بدل عن ضائع»، وأن الثابت الوحيد هو إبقاء عاصمة الشمال في حالة توتر دائمة، حيث يمكن استخدامها عندما تدعو الحاجة السياسية أو الأمنية.
ويظهر واضحا في هذا الاطار، أنه تم استبدال محاور التبانة وجبل محسن المقفلة الى أجل غير مسمى، باعتداءات مستمرة تقوم بها المجموعات المسلحة ضد الجيش، حيث سجل بعد ظهر أمس قيام مجهول برمي قنبلة يدوية قرب حاجز للجيش عند طلعة العمري لم تسفر عن إصابات، وكان سبق ذلك رمي قنبلة يدوية ليل أمس الأول في شارع سوريا وأخرى في مجرى نهر أبو علي.
وينذر استمرار استهداف الجيش باندلاع مواجهات عسكرية في أي لحظة مع المجموعات المسلحة، هذا بالاضافة الى رفع منسوب الاحتقان المذهبي الذي يترجم باعتداءات إضافية على المواطنين العزل.
أما قادة المحاور الذين دخل بعضهم الى السجن، وفرّ آخرون منهم الى جهات مجهولة فقد استبدلوا بمجموعات مسلحة يقودها أسامة ومنصور وشادي المولوي وغيرهم، بدأت تقوم مقامهم، وبشكل أكثر خطورة نظرا للفكر المتشدد الذي تحمله، وبما ينقل عنها من مواقف أو يلصق بها من تصريحات على مواقع التواصل الاجتماعي. ولعل الحرص على إظهارها إعلاميا بهذا الشكل، يهدف إما لتكبير حجمها تمهيدا للقضاء عليها، أو لدور أمني ما سوف تضطلع به في المرحلة المقبلة تحت عنوان التوتر الطرابلسي العام والدائم.
وفي ظل غياب الشيخ سالم الرافعي الذي لا يزال يعالج من إصابته بقدمه في عرسال، وانكفاء عدد من مشايخ «هيئة علماء المسلمين» في المدينة، سارع بعض المشايخ الى ملء هذا الفراغ بخطب ومواقف أكثر إثارة وتحريضا بهدف إثبات الحضور واستمالة الشارع والتنافس عليه، والتي من شأنها أن تهدد السلم الأهلي في لبنان عموما وليس في طرابلس فحسب.
ومما يزيد الطين بلة، هو ما يصدر أيضا عن بعض المشايخ ممن يعتبرون أنفسهم في مواقع المسؤولية في بعض التيارات الاسلامية أو من يدور في فلكهم، من تصريحات موسمية تذكر بوجودهم، وتساهم في رفع درجة غليان الشارع.
ولم يكف طرابلس كل ذلك، إذ عادت «الغرف السوداء» مجددا لتبث سيلا من الشائعات تساهم في تطويق المدينة وعزلها عن محيطها، لا سيما ما تمّ ترويجه قبل أيام على مواقع التواصل الاجتماعي من خروج تظاهرة مسلحة بعد صلاة ظهر أمس الجمعة من التبانة ومحيطها الى ساحة عبد الحميد كرامي لاعلان الثورة السنية.
وقد تبين أن كل ما تم تداوله لا يمت الى الحقيقة بصلة، لكنه في الوقت نفسه ساهم في شلّ حركة المدينة التي خلت شوارعها قبل الظهر من المواطنين.
وكان عدد من المصلين تجمعوا، أمس، أمام «مسجد التقوى» في طرابلس عقب صلاة الجمعة واطلقوا الهتافات المطالبة بإطلاق سراح الموقوفين من ابناء المنطقة بسبب احداث طرابلس الاخيرة.
في غضون ذلك، رد أطفال ميتم الشعراني في أبي سمراء على الخروق الأمنية والشائعات، بدعوة من «بيت الآداب والعلوم» في طرابلس، فنفذوا «جدارية السلام» التي رسموها بأجسادهم على الطريق العام.
وأكد مسؤول البيت محمد ديب أن هذه الجدارية هي صرخة لتؤكد أن طرابلس بأطفالها ونسائها ورجالها وشيوخها تريد أن تعيش بسلام، وهي ترفض العنف من أي جهة أتى، وتسعى الى الأمن والاستقرار.