كانت قد جمعتنا الصدفة عند صديق له قريبي، ذلك في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، كنت لم ازل حينها يافعا تغلبني الحماسة والكثير من الطيش، ولكني وانا الخارج من معتقل انصار حيث كنت مسجونا لاكثر من عام مع العد الصهيوني، مستكملا مسيرتي النضالية  في صفوف المقاومة الإسلامية، كنت لا اشك لحظة واحدة انني ممسك تماما بناصية الحقيقة، وانني بلا شك ولا ريب واحد من الذين سيستعين بهم الامام المهدي عند خروجه، هذا ان لم اقل انني على يقين بان الامام سيستنصحهم قبل ان يخطو بأية خطوة في مسيرته المنتظرة،

كيف لا؟ اليس الهدف الاسمى عند الامام هو بناء الدولة الإسلامية القائمة على أسس الشريعة واعمدتها الأساسية في قطع يد السارق، جلد الزاني، فرض الحجاب على النسوة السافرات الفاسقات ، ولا ننسى هنا أيضا أخذ الجزية من النصارى ( اهل الكتاب ) وهم صاغرون ،،زد على ذلك منع كل اشكال اللهو والفسوق ( المسمى زورا " بالفن " )، ولكنه أي الامام وان كان معصوما الا انه خائف غائب، بينما انا فالحاضر الممارس لواجباته والمتمرس،

وانا هنالك، في هذا المكان، على قمة هذه المفاهيم "الإلهية"، كنت أتطلع الى الاخر ايما كان هذا الاخر، من هذا الفوق، فأراه ان استطع الى ذلك سبيلا، جاثما في قعر الوادي السحيق من العتمة والضلال ،، حينها جمعتني الصدفة مع السيد هاني فحص، وراح يصول ويجول في "مغالطاته"، فيتحدث عن " ايران الإسلام" مثلا، وكأن قادتها من صنف البشرالعاديين يصيبون ويخطئون !، ويخوض بالسياسة التي هي "عين ديانتنا" والتي انما يحرك ادق تفاصيلها الامام المعصوم عبر نائبه المعصوم أيضا ( اكتسابا) بخلفية ان لرأيه او لرأي امثاله من الناس مدخلية في صياغتها !، والأخطر من هذا وذاك انه اتى على ذكر بعض المفاهيم والقيم، مطلقا عليها صفة " إنسانية " وراح يحدثني عن " الوطن " من دون الرجوع الى آية قرانية او حديث نبوي!,, فكان كلما استفاض هو بحديثه اشعر انا كم كان يزداد عني بعدا وغورا، الى ان كانت الطامة الكبرى التي اثارت امتعاضي حينها عندما تجرء على الإفصاح امامي بما هو اقرب الى (الكفر)، معتبرا ان المجتمع البشري يمكن له ان ينتج بنفسه عدالة إنسانية وسلطة عادلة لا دخالة فيها للدين او للتراث الديني! والادهى ان في سياق حديثه اتى على ذكر الديمقراطية من دون ان يلعنها ولا حتى بالإشارة اليها كونها رجس من عمل الشيطان ( وهذا اضعف الايمان ) ! مما حملني وقتها وبخلفية " دينية " ان أتوجه اليه مقاطعا و"بالوقاحة الجهادية" بالسؤال: " سيد انت بتصلي ؟؟ "

فما كان من هذا الكبير الا ان تبسم ضاحكا ، والرزية كل الرزية انه لم يكمل حديثه معي، الا بعد حين ...

الان استحضر هذه الحادثة، "ومولانا" في ذمة الله، وصرت اعلم كم كان هو اقرب اليه، في حين كنت انا أعيش في بحر من الوهم المعرفي، وان الشمعة التي كنت احملها بسرور في غرفتي المغلقة المظلمة، هي لا شيء امام الشمس التي كان يريدني ان اراها خارج الجدران،

اشكر الله انني اعتذرت منه في حياته على تجرؤي عليه بجهلي، واعلم ان كثيرون هم ممن لا يزالون على ما كنت انا عليه،وانه سيأتي اليوم الذي يعتذرون منه ايضا .