عندما يلتقي وزير الداخلية الأستاذ نهاد المشنوق وهو من أقرب المقرّبين للرئيس سعد الحريري، الحاج وفيق صفا منسّق الإرتباط في «حزب الله» وأقرب المقرّبين للسيد حسن نصرالله، وعندما يلتقي وزراء كتلة «المستقبل» مع وزراء «حزب الله» في حكومة «مصلحة وطنية»، وعندما يلتقي الحريري الرئيس نبيه بري والعماد ميشال عون حليفي نصرالله، وعندما يزور النائب وليد جنبلاط نصرالله ثم الحريري، من الطبيعي أن يُطرح السؤال: لماذا لم يلتقِ نصرالله والحريري، خصوصاً وأن هناك تقاطع مصالح على المستوى الإستراتيجي بينهما يتعلق بمواجهة الخطر الحقيقي الناجم عن مشروع «دولة الخلافة» في العراق وبلاد الشام وضمنها لبنان؟

في الشكل، إن أي لقاء على هذا المستوى، أي بين الحريري ونصرالله له رمزية إستثنائية في هذه الظروف الملتهبة على مستوى المنطقة، ولا يمكن أن يحصل تحت سقف ترتيب البيت اللبناني الداخلي بكل بساطة، وإنما لا بد أن يأتي ترجمة لتفاهم أكبر على المستوى الإقليمي بين المملكة العربية السعودية وإيران. وما دام النزاع مستمراً بين هاتين القوّتين الإقليميّتين على النفوذ وموازين القوى في الشرق الأوسط، فإن اللقاء بين الحريري ونصرالله يبقى مُستبعداً.

في المضمون، إن تقاطع المصالح على ضرورة مواجهة «داعش» هو واقع ظرفي وغير كافٍ لتجاوز الخلافات الجذرية الأخرى بين السعودية وإيران. وفيما تعتبر طهران، وحلفاؤها في لبنان، أن وجهة نظرها انتصرت، وأن الآخرين اقتنعوا أخيراً بخطر الأصولية والتطرف وسلوكياتها الإرهابية، وباتوا مستعدّين للتعاون في مكافحتها، ترى الرياض وحلفاؤها أن «السياسة الإيرانية الداعمة للممارسات الظالمة في كل من دمشق وبغداد منذ سنوات هي المسؤولة الأولى عن ظاهرة «داعش» والتعاطف الواسع في صفوف أهل السنّة معها، كما أن الإرهاب لم يبدأ مع غزوات «داعش» وضرباتها، وإنما انطلق في عمليات الإغتيال المبرمجة التي زلزلت لبنان، من رفيق الحريري الى قافلة الشهداء والناجين... الى محمد شطح».

هذا الإختلاف في الموقف والمشهد هو جزء من الخلافات الكبيرة على كل الملفات المتعلقة بأمن المنطقة، وهويّتها، ومستقبلها، والحقوق السياسية لكل مجموعة من أبنائها، وليس في الأفق من مؤشرات توحي بإيجاد حلول لها أو اجتراح تسويات في المدى القريب، على رغم ما تمثّله «داعش» من تهديد حقيقي لأمن المنطقة وأنظمتها وشعوبها. وهذا ما يمنع إمكان عقد لقاء بين الحريري ونصر الله في هذه المرحلة.

من هنا، يُتوقع استمرار حروب الإستنزاف في سوريا والعراق على رغم إطاحة نوري الدين المالكي والضربات الجوية الأميركية على «داعش»، واستمرار المناكفات على كل كبيرة وصغيرة في لبنان على رغم هول التحديات الأمنية، والكل ينتظر جلاء المفاوضات الأميركية - الإيرانية وقُطَبِها المخفية.