برزت داعش كنموذج اسلامي بسرعة هائلة تجاوزت فيه التيّارات المشابهة من أهل الاسلام الجهادي فلم تعد القاعدة التنظيم المؤثر في الأمنين الدولي والاقليمي ولم تعد النخب العريقة من جماعات السلفيّات السُنية محطّ اهتمام أحد بعد أن أسرعت داعش باحتلال مناطق خصبة في سورية والعراق , في ظلّ حراسات مُشددة لدول تعتبر نفسها مسؤولة عن الأمنيين العراقي والسوري . لقد عبثت داعش بالأمن الاجتماعي وأقامت حدود دينها على سوريين وعراقيين بطريقة ناسخة للتجربة الاسلامية في تعاطيها مع أوامر ونواهي الشريعة بحق المسلمين وغيرهم من أهل الذمم.

في سورية تسرح داعش دون حسيب أو رقيب وتقيم الحدّ وتتاجر بالنفط على مرأى من النظام المستفيد من حصر صورة المعارضة بالداعشية لتحسين شروطه عند الأمريكيين ولا يُقدم النظام على أيّ عمل ميداني عسكري تجاه المناطق التي تسيطر عليها داعش ويكتفي بعرض أعمال داعش من ذبح وقتل تشبه تماماً ممارساته بحق الشعب السوري في الشكل أما في المضمون فجريمة النظام أضعاف أضعاف جرائم داعش ..وفي العراق امتدت داعش تحت جنح نظام المالكي وسيطرت على محافظات حسّاسة جداً أعادت خلط الأوراق بطريقة أخرجت وأحرجت ايران النائمة في مهد سلطة واهنة مرتبطة بزعامة  مالكية لا تصلح لقيادة حيّ في النجف وأسأت للعراق أكثر من داعش من خلال النهب العام وانهيار الوحدة الوطنية وسقوط العملية السياسية واستمرار الاستباحة الامنية للعراق تحت غطاءات طائفية أتاحتها الحكومة النائمة في مغارة الثروة العراقية . لقد ارتكب العراقيون سُنة وشيعة بحق بعضهم البعض جرائم تقشعر لها الأبدان كما أرتكب الشيعة بحق بعضهم البعض جرائم بشعة بحيث سالت دماؤهم في زواريب كربلاء في حرب ضروس بين السيد الصدر والسيد المالكي أين منها جرائم الدواعش من أهل الجهاد الديني .

لا أحد يقف مع داعش حتى من يستفيد من داعش أو يدعم داعش لتحقيق مكاسب سياسية ومذهبية يلعنها ليلاً ونهاراً كما يفعل الكثيرون من المتضررين من الداعشيين . ولا أحد يتبنى فكر داعش وثقافتها رغم أنها خارجة من نفس النصّ الذي يتعبدّ له الاسلاميون على اختلاف تشكيلاتهم وهم يمقتون تجربة داعش في سفك الدماء وينسون أنفسهم ويتنكرون لتجاربهم المشابهة لداعش والأمثلة على ذلك كثيرة ولكن النسيان القسري سبباً كافياً لعدم المُقارنة بين ذبح وذبح فما فعلته حماس بحق الفتحاويين هل كان هداية لهم من ذنوبهم الكبيرة ..؟ وما قام به الملتحون في الجزائر ومصر وبكستان وافغانستان  وبلاد عربية واسلامية أخرى من جرائم هل كان سياحة جهادية ..؟ أعتقد أن داعش حاجة ماسّة لدول وأحزاب تستثمر فيها لتحسين شروطها السياسية والمذهبية في منطقة محكومة بالعقل الداعشي لذا لايمكن اعتبار داعش نموذجاً غريباً عن جسم المتوسط فكل النخب السلطوية داعشية بامتياز من الكيان الغريب (اسرائيل) الى آخر تيّار صاعد علمانياً كان أو اسلامياً . فداعش جوهر صورتنا فلماذا نختبىء خلف أقنعتنا ؟