استوقف أوساط رسمية وسياسية قول البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في العشاء السنوي الذي أقامته اللجنة الكاثوليكية لوسائل الاعلام وأبدى فيه أسفه لأن يكون نصاب الثلثين الذي لا يفرضه الدستور بل توافق عليه اللبنانيون قد تحوّل عن غايته الى وسيلة لتعطيل الانتخاب وحرمان الدولة من رأسها، وتساءل عن عدم اكتمال النصاب والاحجام عن انتخاب رئيس للجمهورية.

هذا الكلام الشديد اللهجة لسيد بكركي كان مدار بحث ومناقشات في اتصالات ولقاءات بين قوى 14 آذار ولا سيما في ما يتعلق بنصاب الثلثين، إذ لا يعقل أن يكون هذا النصاب ملزماً لانتخاب رئيس الجمهورية ولا يكون حضور النواب جلسات الانتخاب ملزماً أيضاً وإلا أصبح في استطاعة أي فريق ولغاية في نفسه أو نفس غيره تعطيل النصاب...
لقد حسمت هيئة مكتب مجلس النواب بطلب من الرئيس نبيه بري الجدل حول نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية فصار التوافق على أن يتم بحضور ثلثي عدد النواب الذين يتألف منهم المجلس، فلماذا لا يصير توافق أيضاً على أن يكون حضور النواب الجلسات التي تعقد بنصاب الثلثين، ملزماً أيضاً ويحسم الجدل حول حق النائب في الحضور أو التغيب من دون عذر شرعي؟
إن المشترع قصد باشتراط حضور الثلثين إعطاء هالة لانتخاب رئيس الجمهورية ولكي يكون رئيساً لكل لبنان وليس لفئة حزبية أو سياسية أو طائفية، فكيف يمكن ان يتم انتخاب الرئيس بمشاركة مختلف الفئات الحزبية والسياسية والمذهبية عندما يتعمد نواب التغيب عن جلسات الانتخاب لتعطيلها، وخصوصاً عندما يكون أعلى منصب في الدولة شاغراً؟ في حين أن المشترع عندما اشترط حضور الثلثين لم يفكر لحظة في أن نواباً سيتغيبون عن قصد عن جلسات الانتخاب لتعطيلها وإلا كان أورد نصاً يعاقب كل متغيب عنها من دون عذر شرعي.
إن تعطيل الجلسات التي تفرض حضور الثلثين لاكتمال نصابها بات في حاجة إلى بحث جدي وحل له إما بالتوافق وإما بتوضيح النص الدستوري وما قصده المشترع. وكما صار توافق على انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي عدد النواب، يصير توافق أيضاً على أن يكون حضور الجلسات التي تعقد بنصاب الثلثين الزاماً للنواب في مجلس الوزراء وفي مجلس النواب، ذلك أن نصاب الثلثين ليس مفروضاً في انتخاب رئيس الجمهورية فقط إنما في مواضيع أساسية أخرى حددتها المادة 65 من الدستور وهي: تعديل الدستور، إعلان حال الطوارئ وإلغاؤها، الحرب والسلم، الاتفاقات والمعاهدات الدولية، الموازنة العامة للدولة، تعيين موظفي الفئة الأولى وما يعادلها، إعادة النظر في التقسيم الاداري، حل مجلس النواب، قانون الانتخابات، قانون الجنسية، قوانين الأحوال الشخصية، إقالة الوزراء.
لذا ينبغي أن يقابل شرط الثلثين شرط إلزام الوزراء والنواب الحضور وإلا استطاعت أي فئة ولأسباب شتى، تعطيل النصاب والحؤول دون إقرار إي موضوع مهم من هذه المواضيع، وجعل ذلك قاعدة تعتمد في كل استحقاق.
لقد بات التوافق ضرورياً على تأمين نصاب الثلثين بعدما صار التوافق على الثلثين في انتخاب رئيس الجمهورية وبعدما أصبح تأمين النصاب هو المشكلة وليس الانتخاب، وهو ما لم يكن من قبل، وإلا فإن كل نائب يتغيب عن جلسة مطلوب أن يكتمل نصابها بحضور الثلثين من دون عذر شرعي لا يحسب من عدد النواب الذين يشكلون هذا النصاب لأنه إذا ظل تغيب النواب عن الجلسات مزاجياً ومن دون عذر شرعي فلا يتم انتخاب رئيس للجمهورية ولا يتم تعديل دستور ولا يوضع قانون انتخاب.
ثمة من يتساءل من جهة أخرى، لماذا يكون انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي عدد النواب ولا يكون هذا العدد شرطاً عند انتخاب رئيس المجلس وعند اجراء استشارات نيابية لتسمية رئيس للحكومة؟ فالمادة 44 نصت على انتخاب رئيس المجلس ونائب الرئيس لمدة ولاية المجلس، كل منهما على حدة، بالاقتراع السري وبالغالبية المطلقة من أصوات المقترعين وتبنى النتيجة في دورة اقتراع ثالثة على الغالبية النسبية، وإذا تساوت الأصوات فالأكبر سناً يعد منتخباً. فلماذا لا يطبق هذا النص في انتخاب رئيس الجمهورية؟ فاذا كان يعتبر رئيساً لكل لبنان ويجب أن يشارك في انتخابه ثلثا عدد النواب فإن رئيس المجلس، خصوصاً بعدما أصبحت ولايته من مدة ولاية المجلس، يجب أن ينتخب بهذا النصاب أيضاً لأنه رئيس كل النواب والنواب يمثلون الأمة جمعاء فهو إذاً رئيس كل اللبنانيين، ولا يجب التمييز في انتخاب رؤساء السلطات الثلاث لأن "الميثاق الوطني" يقضي بانتخابهم على أساس واحد ولا تمييز بين انتخاب وانتخاب.